#الفصل_الثاني_عشر_ج٢
وقد كان زايد أتى خلفها ليعنفها حتى رأى مشهد أختطافها وغلق الباب وهي تصرخ وتستنجد به وتناديه !... انتفخت عروق عنقه وعينيه متسعتان من الصدمة ..!
ولحظات وكانت سيارته تركض بأعلى سرعتها خلف تلك السيارة المجهولة وهو على شفير الأنفجار من النيران التي تستعر بداخله من الغضب.
بينما "فرحة" كانت تصرخ حتى كمّم فمها الرجل الضخم الذي اختطفها وقيد يديها بمجرد أن جرّها بداخل السيارة، فأصبح لا يصدر صوتها إلا كأنين، وأصدر الخاطف أمرا للسائق أن يُغيّر اتجاه السيارة لطريق متفرع مخيف ومظلم ..
واصبحت الرؤية أمامها ضبابية غير واضحة بعد دقائق وهي ترتجف بمكانها مقيدة لا حيلة ولا قوة لها في الخلاص!.
وبعد وقت طويل في السير رغم السرعة وقفت السيارة أمام منزل صغير من طابق واحد وتصميمه لا يشبه المعمار العربي في شيء ، بل وكأنه منزل لعائلة بسيطة من الريف السويسري !.
زجت فرحة داخل هذا المنزل وهي تتلوى وتكافح للفكاك والتخلص من تلك الكارثة، وما أحزنها وأرعبها أكثر أن زايد على ما يبدو أنه لم ينتبه لصراخها وأنشغل بتلك الوقحة عن الجميع، دفعها الخاطف حتى سقطت على آريكة مهترئة بعض الشيء وحملقت فيه بعصبية وهي تبك، ورغم عنف الرجل ولكن على ما يبدو أنه غير معتاد على هذه الأفعال فكان يظهر عليه التوتر والخشية من القادم .. حتى دخل السائق وهمس له بتوجس قائلًا :
_ وبعدين ؟! .. شكلنا هنروح في داهية بسبب عملتك دي يا أندرو ..!
ورد عليه أندور قائلًا بمزيج من العصبية والقلق :
_ أنا مفكرتش كتير في بعدين!، المهم عندي انتقم منه ..
واستمعت فرحة لحوارهما وهي تتعجب من لكنتهما في التحدث وكأنهما تعلما العربية منذ سنوات قليلة، كانت چين أكثر منهما مهارة في التحدث ! ... واستوقف فرحة تلك النقطة !
إذًا ربما كان هذان على علاقةً بتلك الفتاة ؟!! ... وربما كان زايد يتعرض الآن لخطرًا مثلها !! ... ابتلعت فرحة ريقها بصعوبة وهي ترتجف برعب وقد أصبح لب خوفها الآن يتجه نحو زايد !!.
اما أندرو ظهر بمظهر النادم والخائف من جريمته، فجلس بعيدًا وهو ينكس رأسه بحالة عميقة من الشرود والتفكير والتوتر ..! ، لم يفكر سوى بالانتقام من هذا الزايد ! .. حتى خرج شقيقه " السائق" وترك المنزل وخيم الصمت على المكان بعدها ، وبعد دقائق سمع أندرو صوت يصدر من الخارج فنهض ليكتشف الأمر، وكاد أن يفتح الباب حتى اقتحم زايد المنزل بعدما دفع الباب بجسد شقيق اندرو السائق الذي أصيب بجرح عميق في يده إثر هجوم زايد عليه منذ دقائق ..
ودفع زايد الذي كان يغلي غضبا الرجل المصاب على جسد أندرو ليقعا الأثنان أرضاً، ثم أخرج زايد مسدسه الخاص وأطلق عيار ناري بقدم أندرو أعجزه عن الحركة، وصرخ الآخر من الألم وأصبح في حالة يرثى لها .. ثم توجه زايد بسرعة فائقة رغم عرج قدميه إلى فرحة والقلق عليها أخذ مآخذ الغضب في عينيه، وهي تنظر له وتحاول أن تصدق أنه بخير وأمامها ويخلصها من تلك المأساة !! .. فقال وهو يحرر يدها ويطمئن عليها :
_ أنتي بخير ؟ .. حد عملك حاجة ؟
هزت فرحة رأسها نفيًا وقالت بصوت متقطع :
_ أنا بخير ... بس مين دول وعايزين ينتقموا منك ليه ؟!
وشهقت فرحة عندما انتبهت لجرح ينزف دما في يد زايد وقالت بخوف :
_ ايدك بتنزف !! .
لم يبالي زايد بجرحه وظل ينظر لها للحظات وهو يتنفس الصعداء أنها بخير ، ثم جذبها اليه من ذراعها ويبعدها عن الرجلان الذي يتوجعان من الألم ولم يتذكر أنه رأهما من قبل ، حتى ظهرت چين فجأة وتفاجئت بما سقطت عليه عينيها ، فقالت بغيظ لأندرو رغم رؤيته بهذه الحالة المؤسفة :
_ مافيش فايدة في غبائك وتهورك يا أندرو !.
صدم أندرو برؤيتها وقال بارتبك :
_ عرفتي منين اللي حصل ؟!.
ردت بعصبية وقالت ولم تشعر بأي شفقة اتجاهه:
_ كنت طالعة الحق زايد قبل ما يمشي وشوفت اللي حصل ! ... لو صبرت شوية وعرفت الحقيقة مكنتش عملت كده ؟! .... اللي أنت خطفتها دي تبقى مراته، وهو بيحبها مش بيحبني أنا .. وطلع وراها وسابني ... فهمت ؟!
وقالت چين ذلك وبدأت بالبكاء ، وتعجبت فرحة من الصراحة المفرطة للفتاة على عكس المعتاد والمأثور بتلك المواقف ، فسألها زايد :
_ تعرفيهم منين دول يا چين ؟!
اعترفت چين وهي تنظر لزايد بألم :
_ ولاد عمي ، أندرو بيحبني وكان عايز يخطبني ، بس رفضته وقولتله أني بحبك ومستنياك .. هو عارفك وشافك زمان ...
وأكمل أندرو وقال بأسف :
توجهت چين لتساعد أندرو على الوقوف وقالت بحدة له وهو يستند عليها :
_ تعالى معايا نروح المطعم ، آدريانو هيتصرف وهيعالجك ..
وظل زايد واقفا ويبدو أنه شرد بعض الشيء ، فنظرت له فرحة وقالت بعفوية وقلق :
_ ممكن يبلغوا عنك عشان ضربته بمسدسك ؟!
عادت چين بعدما ساعدت أندرو وشقيقه على الخروج من المنزل والجلوس بالسيارة التابعة لهما، وقالت بعينان دامعتان وحسرة ويبدو أنها سمعت ما قالته فرحة :
_ محدش يعرف عنك حاجة يا زايد ، ولا حتى أنا، وحتى لو حد يعرف مش هسمح أبدًا أنك تتأذى .. أنا أسفة على اللي حصل.
ونظرت لزايد لمدة دقيقة كأنها تتوسله أن يقول شيء ، وعندما تمسك زايد بزوجته وقبل أعتذارها، استدارت چين وهي تبك وخرجت من المنزل وبعدها ابتعدت بالسيارة التي قادتها بنفسها وعادت بها للمطعم الصغير ...
**********
اهتمت فرحة بالجرح المصابة به يد زايد ، وكانت قد أجلسته بالمنزل الغريب وصممت على أن تطهر جرحه أولًا قبل الرحيل ، وراقبها زايد بصمت تام وعينيه تتجولان على محياها وانفعالاتها وهي تسعفه .. ثم نظرت له بعد اتمام مهمتها بنجاح، وقالت وكأنها لا تبالي بالأمر رغم النيران بعينيها:
_ أنت عرفتها أزاي البت دي ؟ ... وعلاقتكم وصلت لحد فين ؟! شكلهم مش مصريين ولا حتى عرب !!
تنفس زايد بعمق ثم قال بسخرية :
_ يهمك في إيه اللي حصل من سنتين وأنتي عايزة تطلقي ؟!
هيفرق معاكي لو كانت معرفتي بيها سطحية .. أو خاصة ؟؟ .. ابعدي وسبيني للماضي ... شوفتي الماضي بتاعي شكله ايه !.
أخفى زايد ابتسامته عندما ضيقت فرحة عينيها عليه بعصبية واستعرت نيرانها أكثر ، حتى هتفت به وهي تنهض من أمامه :
_ خاصة ؟! ... أفهم من كلمة خاصة دي إيه ؟! .. ولا على إيه الشرح ما كل حاجة كانت واضحة زي الشمس ! ... دي اترمت عليك رامية أنا نفسي ياللي مراتك ما عملتهاش !!
أجاب بغيظ :
_ ما هو من غبائك ..!، اتعلمي بقا.
استفزها رده فهتفت :
_ أنا مش غبية ! .. بس مش بجحة وقليلة الأدب، بقا أنت عرفت حتى تسلم عليا قبل ما اتجوزك ؟! ... وعايزة أعرف دلوقتي علاقتك بيها كانت ايه وإلا طلقني ؟
رفع زايد حاجبيه بتعجب وقال :
_ أنتي مجنونة ؟! هو أنا هطلقك كام مرة ! ... أنتي مش طلبتي الطلاق قبل ما تتخطفي ولازم النهاردة ؟! ..
ترددت فرحة وهي تقول بارتباك :
_ لأ أستنى .. ما هو .. ما هو لو ما قولتش تطلقني ، ده شرط يعني ..
ضيّق زايد عينيه بمكر وقال :
_ طب لو قولت ؟!
ابعدت عينيها عنه وقالت بجدية :
_ تبقى أثبت أنك فعلًا عايز تبقى انسان نضيف ..
صدم زايد وقال :
_ نعم ..؟!
صححت فرحة وقالت :
ابتسم زايد بمكر وقال:
_ مع أنه ماضي مشرف مايتنسيش بس نسيته .. خلينا في الحاضر المؤسف .. چين دي اصلا مش مصرية ، من سنتين عربيتي عطلت في الطريق قدام المطعم بالصدفة ... كنا الفجر تقريبًا .. وفجأة لقيت بنت جميلة أوي ... جميلة جدًا زي ما شوفتي كده بنفسك .. بتفتح شباك اوضتها في الدور التاني فوق المطعم .. وشوية ولقيتها نزلت وجيالي .. جيالي أنا بقا ... المسكينة ..!
تحكمت فرحة بأعصابها قدر المستطاع وقالت بهدوء ما قبل العاصفة :
_ وبعدين ؟!
ابتسم زايد بشاعرية بقصد استفزازها وتابع سرده:
_ قربت عليا وكلمتني ... سألتني أن كنت محتاج مساعدة ، وعرفت أن عربيتي عطلت ، فأصرت أني أبات في بيتها لحد الصبح ..ما احنا الفجر..!
وكتم ضحكته عندما لاحظ أن فرحة اغمضت عينيها بمحاولة أن تهدأ ، فأضاف بجدية :
_ وبصراحة وافقت .. ما أنا لوحدي ... هقف لوحدي يعني ؟!
شهقت فرحة من الصدمة وقالت :
_ حصل ايه قــــول !! .
تظاهر زايد بابتسامة حالمة وهو يتابع فقال :
_ فضلنا نتكلم لحد ما وصلنا للدور التاني .. و ..
حسته فرحة على المتابعة وهي تشتعل غضبا حتى قال زايد بصدق :
_ ودخلت قعدت مع والدها ... هو كان راجل كبير وطيب، حبيت الكلام معاه جدًا ... وفضلنا سهرانين نتكلم لحد الصبح ، وبعدها چين كلمت ميكانيكي جه لحد المطعم وصلح العربية ومشيت ... وذوقيا رحتلهم تاني وجبتلهم هدايا رد للمعروف اللي عملوه معايا ، وكنت كل فترة اروح المطعم لما احب اقعد لوحدي بعيد عن أي حد يعرفني ... ولما چين اعترفتلي أنها بتحبني كنت محتار ومش عارف أخد قرار ... وقررت ابعد شوية ، وكلمتها بصدق وقولتلها أني لو رجعت هكون رجعت عشانها ، لكن لما بعدت نسيتها بسرعة وعرفت واتأكدت أني محبتهاش ... وقررت أبعد للأبد ... دي كل حكايتي معاها، وعلاقتي بيها مكنتش موجودة اصلا ..
تنفست فرحة الصعداء وهي تبتسم بإشراق، وتظاهرت أنها تتفحص جرحه وتتأكد أنه بخير فقالت :
_ خلاص مصدقاك..اصلا كان باين إنك مش طايقها .. عندك حق ..!
قال زايد بابتسامة واسعة وسخرية :
_ تخيلي أنتي انسان يبقى مش طايقها ولا طايق حد في الدنيا وطايقك أنتي لوحدك ؟! ... حاجة لا تطاق !
ضحكت فرحة بعفوية وقالت :
_ طب يلا نمشي من المكان المخيف ده ..
نهض زايد من مكانه وشعر بثقل يتسلل لقدمه المصابة بالعرج ، فتأوه بخفوت ، فسألته فرحة بقلق وخوف :
_ مالها رجلك ؟!
تنفس زايد والألم مرتسم على محياه وقال :
_ مش عارف ، بس حاسس أنها تقيلة عن العادي ..
خشيت فرحة أن تكن قدمه اصيبت مرة أخرى بسبب مشاجرته مع الرجلان أقرباء چين ، فقالت :
_ طب نروح المستشفى ..
رفض زايد بإصرار وقال :
_ لأ ... كام ساعة راحة وهبقى كويس ... بس مش عارف هسوق أزاي ؟!.
قالت فرحة وهي تخرج هاتفها من حقيبة يدها الصغيرة التي تمسكت بها حتى وهي مقيدة:
رفض زايد وقال وهو يطلب منها الهاتف:
_ لأ ، هتصل بالسواق بتاعي يجي احسن ... مش عايز حد يعرف حاجة عن اللي حصل.
**************
تنعمت جيهان بالراحة طيلة ساعات النهار حتى الليل ، ولكن تقلّبت بفراشها وقد بدأت تشعر بالملل ، هي هنا ماكثة بغرفتها منذ ساعات ، وأن تحركت وظهر عليها التعافي سيصرف العملاق النظر عن الذهاب للطبيب .. وستفشل خطتها في الهروب ، تنفست بعمق وأغمضت عينيها بنفاد صبر ، حتى تفاجئت بأنقطاع التيار الكهربي ، فقالت بعصبية :
_ أهو ده اللي ناقص كمان !!
ولحظات وقد بدأ يتسلل بداخلها الخوف والخشية من الظلام الذي هبط عليها، فتحركت ببطء من الفراش وتسحبت حتى وصلت للنافذة وفتحتها وهي تستنشق الهواء وضوء القمر المنير ... وظلت شاردة حتى شعرت بضوء غريب يأت من الخلف وخطوات تقترب ! ... ولحظات وكانت يد توضع على كتفها فاستدارت وهي تصرخ ... حتى اكتشفت أن الضوء يأت من شمعة صغيرة بيد أكرم ووقف ينظر لعينيها في صمت .. فتنحنحت وقالت وهي تحاول التحدث بصوت خشن غليظ :
_ افتكرتك عفريت ... اصل ما بيطلعوش غير في الضلمة.
لم يرمش لأكرم رمش للحظات وهو يتعمق بعينيها، فارتجفت حياءً ورهبة من نظراته، حتى قال بصوت كالصقيع به رنة غموض:
_ مش العفاريت بس اللي بتحب الضلمة ..
ابتلعت جيهان ريقها بصعوبة ولم تعرف ماذا تقول ، فتوجه أكرم للنافذة بعدما ثبّت الشمعة على المنضدة ، وشرد للبعيد بجانبها ، ثم قال دون أن ينظر لها :
_ ليه حاسس أنك جاي هربان من شيء ، عينك ماليها الخوف ! .. قولي الحقيقة ومتخافش ..
خيّم الصمت عليهما لوقتً طويل ، حتى اعتقد أكرم أن الواقف بجانبه لم يسمع ما قيل ، وعندما نظر وجد جيهان تنظر للبعيد وهي تبك بصمت ، دموع اغرقت وجهها وعينان تتوسل لشيء لم يستطع الكشف عنه ، فجذبها من ذراعها لتنظر اليه وقال بهمس :
_ ليه الدموع دي ؟
نظرت له جيهان وكانت على أهبة الاستعداد للاعتراف بكل شيء ، عن حقيقتها ، وعن ما عانته ، وكل شيء ، ولكنها فجأة ابعدها عنه وكأنه يلفظها .. ثم نظر لها بغضب وابعد عينيه بعد ذلك عنها ، وظل صامتا كأنه يعاتب نفسه على شيء ... وعاد قائلًا بفتور :
_ رجلك أخبارها ايه دلوقتي ؟
نظرت له جيهان وهي تمسح عينيها وقد عرفت بحدسها أنه يعرف حقيقة أنها أنثى ، وأنها تتخفى ، ولكنها لا تعرف لمّ لم يحاول الكشف عن حقيقتها ومواجهتها ، فقالت بقرار كانت ستتراجع فيه باللحظات الفائتة القليلة :
_ محتاج اروح للدكتور ، مافيش تحسن خالص.
شعر أكرم بتصميم خفي بردها ، ولكنه وافق وقال :
_ حضر نفسك الصبح بدري ، عشان نرجع بالنهار.
وبعدها ذهب من الغرفة وتركها تتخبط في أفكارها ، ولكن هذه المرة لم تكن أفكارها فقط المشتتة، هناك شيء في القلب أشار إليه !! ..
**********
وبجناحهما الضخم بالقصر ... وفي جنح الليل..
ظلت فرحة تنظر لزايد النائم بسلام بفراشهما الدافئ وهي تتذكر أحداث الساعات الماضية ، وما كادت أن تتهور وتفعله ، فعاتبت نفسها وقالت بخفوت :
_ لازم أوصل للدكتور واعرف منه اللي حصل، احساسي بيقولي أن زايد فعلًا بريء ، الدكتور نفسه قال كده ، بس برضه لازم أعرف الحقيقة كاملة .. من حقي أعرف ، ولو اتأكدت أنه بريء هيكون ليا حساب كبير من نوران وأبنها ... ومش هكون فرحة الضعيفة اللي متخيلنها ... ومش هسمح لمخلوق يقرب من زايد أو حتى يضايقه ... بس قبل كل شيء لازم اعرف الحقيقة ، وطالما زايد رافض يقولي ... يبقى الدكتور هو الوحيد اللي هيقدر يوصلني ليها ...
وتقلّب زايد في نومه وتبدلت ملامحه للضيق وكأنه يرى كابوسا مزعج ، فربتت فرحة على رأسه بيدها وتمتمت ببعض آيات الذكر الحكيم ...
*********
وبالصباح الباكر استعدت جيهان للذهاب للطبيب ، واستقبلت أكرم الذي على ما يبدو أنه لم يغفو ولو لدقيقة واحدة بعينيه المرهقتان وملامحه المنزعجة المقتطبة ... حتى أنه كان صامتا تماما وهو يقود السيارة وهي جانبه ..
وكانت تختلس اليه النظرات بوجوم، وشعرت بغصة كلما تذكرت أنها لن تراه مجددًا ، ولم تكتشف بعد ماذا يجري لها ، حتى قال بعد وقتً طويل :
_ أنا عارف عنوان دكتور كويس ، هننزل نفطر في أي مكان على ما العيادة تفتح .. فاضل ساعتين تقريبًا ..
وكانت قد أشرقت الشمس واصبح الهواء دافئًا منعشا ، حتى وقف أكرم بالسيارة وترجل منها أمام مطعم شعبي صغير ، لن يتردد عليه بالتأكيد أحدًا من معارفه وأصدقائه الأثرياء ... وأشار لها أن تتبعه ، ثم دخلا وجلسا على طولة صغيرة ومقعدين من الخشب القديم ، وشعرت جيهان وهي تنظر للوجوه وكأنها لم ترى البشر منذ فترة كبيرة، وبعدها طلب أكرم الطعام الشائع بالمكان وانتظر احضاره، حتى قالت جيهان بتوتر وعيون زائغة :
_ ثواني ورجعالك ، هروح التواليت ..
قال أكرم بنظرة ضيقة :
_ إيه ؟!
صححت جيهان بخوف :
_ بقولك هروح الحمام .. الحمام ..
هز أكرم رأسه بسماح وكأنه لم ينتبه ، وذهبت جيهان للحمام واستدارت للتأكد أنه لم يلتفت ورائه ، وحمدت أن للمطعم باب آخر للخروج ، وتسللت حتى خرجت من المطعم وهي تركض بين السيارات قبل أن يراها...
وبعد دقائق قد شعر أكرم بشيء غامض في تأخيرها، فنهض ليبحث عنها ، هو يعرف أنها الفتاة الذي رآها على الطريق بأول لقاء ، ثم رآها وهي تركض أمامه ليلًا داخل القصر ، وتتابعت خطتها في التنكر وهو يسايرها حتى يعرف الرد المقنع على جميع اسئلته ... وعندما ذهب ليبحث عنها لم يجد لها أثرًا ، فركض كالمجنون يبحث عنها ... وقلبه ينتفض ..!
#سيد_القصر_الجنوبي
#رحاب_إبراهيم_حسن
You are reading the story above: TeenFic.Net