الفصل الرابع عشر ج٢

Background color
Font
Font size
Line height

#الفصل_الرابع_عشر2

_ أفتكرتك مشيتي وبعدتي.

قال ذلك عندما استدارت وابتعدت خطوات، فتوقفت جيهان وابتسمت مرة أخرى برقة ثم قالت دون أن تنظر له :
_ كنت هتعمل إيه يعني  ؟ ... كان زمانك مرتاح مني.

استفزته بقصد ، وتقبّل المصيدة بقبولا حسن وقال بنفس ابتسامته بعدما تحرك ووقف أمامها مباشرةً :
_ أنا مبقتش ارتاح غير بيكي !

فغرت جيهان فاها من الصدمة وسقط ما بيدها ...!
رغم جمودها مما قاله فجأةً، كانت عينيها تحترق بالاسئلة المُلحة، وثغرها يتمتم بكلمات متقطعة من الارتباك، راقب ردة فعلها بابتسامة دافئة وانسجام، واستمتع بذلك الخيط الخفي بينهما، فما ادركت شيء الحين غير أنها تريد الاختبـاء ..!
وركضت من أمامه برمقة عين، ليس هروبا منه أبدًا .. أنما لجمع شتات نفسها وأفكارها، فهو ما كاد يُلقيها بطريق حتى يدفعها بالضفة الأخرى المضادة له!.. فتتشتت ويتجمد عقلها، أما قلبها تحلّق فيه الفراشات فقط من النظرة بعينيه !
وجلست على مقعد بالمطبخ تلملم ما تبقى من تركيزها، ونهضت وهي تعزم على أن تُعد حلوى للصغار، حلواهم المُفضلة، ولكن تذكرت نظراته المتلاعبة المتسلية وهو يراقب ارتباكها منذ دقائق، فأغتاظت بعض الشيء وقررت تحديه، حبًا ومشاكسة، وأحبت رفقته وخاصةً تلك اللحظات التي يعلو فيها ظاهريا التحدي، بينما تواري عشقا عظيم، فذهبت وبدلت ملابسها لملابس ذكورية من الچينز، مثلما كانت تتخفى سابقا !، فسألتها احدى الفتيات وقالت :
_ بتلبسي كده ليه تاني يا ماما جيهان؟!

أجابت جيهان بنظرة ماكرة ، مكر أنثى تريد مجابهة رجل تحبه  في التحدي:
_ لا ابدًا ، عشان بس الهوا كله تراب ، اللبس ده افضل.

وقد ارتدت "سالوبيت" من الچينز المرقع، واسفله "بلوزة سوداء أنثوية ، مزيج عجيب بين الضدين ! .. القسوة والرقة يمتزجان!، ورفعت خصلات شعرها بلافته الجدية والبدء ، بينما خصلاتها تشع أنوثة ورقة تحاوط جانبي وجهها ذو البشرة الناعمة الصافية، التي لوّحتها الشمس بعض الشيء، واثمرت لون عذب زادها أنوثة صارخة
وعادت للمطبخ وتلهفت لرؤية ردة فعله عندما يرها، ويعرف أنها لا ترغب بلفت أنتباهه .. سيجن بالتأكيد !
اتسعت ابتسامتها وهي تدخل المطبخ ، وللدهشة وجدته يعد طبق من البيض المخفوق ويضع عليه قطع البسطرمة.. وقال وهو يواليها ظهره وتعجبت كيف ادرك أنها القادمة:
_ كنت لسه هندهلك ، تعالي نجهز الفطار للولاد

ابتسمت للدفء والألفة المليئة بصوته، والتي توضح أنه بالاصل رجلًا مهذبا حنون غير متعجرف مثلما يتظاهر ... وبدأت تُعد الحلوى بخطوات سريعة وقالت وهي تبتسم :
_ عرفتني من خطواتي !

وشعرت بالابتسامة على وجهه وهو يتحدث وقال وما زال يواليها ظهره نحو الموقد :
_ من ريحة الفانيليا اللي في شعرك ، شعرك ريحته مميزة ..

تعجبت لأنها لايام كثيرة لم تهتم ببشرتها وأدوات العناية الخاصة بها، لماذا رائحة غسول الشعر لا زالت عالقة منذ أيام !
وفجأة وبغمر تركيزها بإعداد الحلوى وجدته يقول بعصبية :
_ ايه اللي أنتي لبساه ده ؟!

اخفت جيهان ابتسامتها ومرحها لعصبيته والتفتت غير مكترثة لما قاله وكأنها لم تسمع جيدًا وسألت :
_ بتقول ايه ؟

اطبق أكرم شفتيه ببعضهما بنظرة ضيقة وادرك محاولاتها أستفزازه وقال :
_ اللي أنتي سمعتيه ! ...

لوت جيهان زاوية فمها بإشارة عدم الفهم رغم الضحكة الماكرة  التي تشع بعينيها، فهتف اكرم بغيظ:
_ بقولك ايه اللي أنتي لبساه ده ؟! ... مش عندك هدوم مناسبة ليكي ! ..

نظرت جيهان لما ترتديه وجاهدت لكي تحافظ على ثباتها وقالت ببراءة :

_ خدت السالوبيت ده من وصيفة ، الفستانين اللي عندي مش مناسبين للمكان هنا .. مُلفتين ، وكمان احنا اتفقنا أني هفضل باللبس ده وكأني ولد.

نظر أكرم لما ترتديه بنظرة سريعة وهتف بغيظ :
_ واللي أنتي لبساه ده مُلفت أكتر منهم ! .. روحي غيريه !

اغتاظت منه وصاحت :
_ نعم ! .. أنت هتتحكم في لبسي ! .. وبعدين أنا في مكان غريب عني وانت شخص غريب عني ، فأكيد مش هعرف آخد راحتي يعني والبس اللي أنا عايزاه وأنت موجود ! .. وبعدين أنت متعصب أوي كده ليه احنا مش اتفقنا اني ابقى ولد ؟! انت بترجع في كلامك ليه ؟!

تنهدت ورسمت  مظاهر الأرتياح على وجهها وقالت :
_ عمومًا كلها يوم أو يومين وترتاح مني وتفضل لوحدك زي ما كنت.

استدارت وهي تكتم ضحكة كادت أن تفلت من شفتيها وتظاهرت بخفق البيض بطبق عميق، فـ ساد الصمت للحظات وهو ينظر لها بنظرة ضيقة نارية، ثم خرج من المطبخ وركل بقدمه في غضب علبة سمن فارغة من الصفيح، فضحكت جيهان ملء فمها واكملت إعداد الحلوى وهي تضحك بمرح .. يبدو أن كلماتها المازحة جعلته كالثور الهائج...!

وبعد الانتهاء كانت قد شعرت ببعض الضيق والإنزعاج من اختفائه، ونزلت للطابق الأرضي ولم تجد له أثرًا، فخرجت من القصر وصادفت أحد الصغار فسألته قائلة :
_ ما شوفتش أكرم ... أقصد الزعامة ؟

أجاب بقلظ عليها وهو يشير لمكان بعيد خلف المزرعة الواسعة وقال :
_ شوفته رايح لبيت الخيل .. مش هنفطر بقا؟!

اطرفت جيهان عينيها نحو المكان المُشار إليه والتي للتو اكتشفته، رغم وجودها هنا منذ أيام ولكن هناك الكثير من الأماكن هنا لم تدخلها ولم تتعرف عليها وما تحتويه ، وها هي الآن تكتشف أن ذلك القصر يضم إسطبل للخيل أيضاً ... وأجابت على الصغير:
_ روح أنت والولاد حضروا السفرة يا بقلظ ، أنا خلصت الفطار والحلويات في المطبخ ، هتعرفوا تحضروا السفرة ولا لأ ؟!

ركض بقلظ بحماس وهو يهتف :
_ ده أحنا عفاريت ، هتشوفي هنحضرها أزاي يا فوشياكيكة

ابتسمت جيهان لتذكرها ذلك الاسم المضحك ، ثم نظرت للإسطبل بتردد ، ولكن أخذها فضولها لرؤيته، فساقتها قدماها تبعا لرغبتها المُلحة بتفقد المجهول، حتى وقفت أمام مكان يكسوه الخشب من الخارج ، ومدخل واسع فسيح ذو ارتفاع مُهيب ، وبعض من الزكائب والغرائر لحفظ العلف والحبوب مخزنة بترتيب بزاوية مخصصة بالمدخل ..
وتقدمت جيهان خطوات للداخل بحذر شديد وهي تنظر يمنة ويسرة، والإضاءة شبه منعدمة باستثناء أشمعة الشمس الباهتة لهذا اليوم والتي تتسرب من خلال النوافذ والأبواب وتنير المكان ، وهتفت :
_ في حد هنــا ؟!

لم تجرؤ أن تناديه باسمه دون رسميات في حضوره ! .. وكررت ندائها ولا من مُجيب..!، حتى رأت باب عريض لغرفة تبدو ضخمة المساحة ، فتقدمت اليها بقلق ثم دفعت الباب ببطء ، والذي أصدر صريرا مزعجاً ومخيفا!.
كأنها تفتح بابا لمنزل تسكنه الأشباح !، فأبتلعت جيهان ريقها ببعض الصعوبة والخوف، وقد بدأ منسوب الادرينالين يرتفع بجسدها، وما أن رفعت يدها عن الباب وتقدمت للداخل خطوة واحدة حتى تجمدت عندما غلق الباب بصريره المخيف دون أن يدفعه احدًا، كأنه صمم لأن يبقى مغلقاً دائمًا..!
تمتمت جيهان بصعوبة ثم تصاعدت نبرتها وصاحت بهلع :
_ أكـــــــرم ...!!

وما جمدها أكثر عندما رأت وحشين مخيفين يلتمع جسدهما الأسود تحت ضوء الشمس الضعيف الصادر من النافذة العالية ، حسنًا هذان زوجان من الخيل العربي .. لا داعي لعقلها أن يضخم حالة الرعب هذه مثل العادة ، فتنهدت وهي تلتقط أنفاسها قليلًا، حتى تجمدت مجددًا عندنا سمعت صوته يقول :
_ كنتي بتناديلي ليه ؟!

ضيقت جيهان عينيها بدهشة ، وقد هجمت الطمأنينة على قلبها بوجوده، وقالت بتعجب وهي تتجول بنظرها في كل زاوية ولا تلمح له ظلا :
_ أنت فين ..؟!

خرج ذلك الرجل الذي على رغم من بنيته الضخمة إلا أنه أختفى بين زوجان الخيل ، وبدا اشرس وأعنف بعض الشيء ، خاصة بعدما حرر منتصف أزرار قميصه الأسود وظهر عنقه طويلًا بصدر عريض وخصر نحيل أبرز عرض منكبيه .. فقال بنظرة ضيقة ثابتة وساخرة :
_ وأنتي جاية ورايا ليه ؟! مش أنا غريب عنك ؟! بتدوري على الغريب ليه ؟!

ارتبكت جيهان واجتثت نظراتها من عليه ورمتها بعيدًا عنه ثم أجابت بصعوبة :
_ أنا .... أنا كنت جاية أقولك أني ... حضرت الفطار، والولاد مستنينك ..

ظل واقفا للحظات وهي تتهرب بعينيها منه وتغرق بتوترها أمامه، ثم ترك سير لجام الفرس من يده وخطا نحوها ببطء دغدغ أعصابها وتخشبت أطرافها، وعندما وقف أمامها مباشرة نظر بثبات وقال بعصبية :
_ أنا ما بتهددش ! .. مش كل ما تتكلمي تهدديني أنك هتمشي ! .. اللي عايز يفضل هنا يفضل أنا ما طردتكيش ، ولو عايزة تمشي مش همنعك الباب مفتوح  ..!

وعاد قائلًا بشراسة وتهديد:

_ لكن مش هسمحلك تستخدمي الاسلوب ده معايا !!

دهشت وهي تراه يعود لذلك الرجل المخيف مرةً أخرى! ، بعدما ظنت أنه يخفي بذلك المظهر الفظ أرق والطف رجل قابلته بعمرها!! ... وحديثه أوجعها، أشعرها أن قبضتيه مرتخيتان في التمسك بها ! .. وأنه لم يحبها بالدرجة التي تخيلتها ! ..
فقالت بحدة وعينيها بدأت تذرف الدموع :
_ مالوش داعي تسمحلي أو ما تسمحليش ، لأن انا مهددتكش بحاجة ! .. أنا ضيفة في رحلة قصيرة ، والحقيقة أن فعلًا وجودي هنا هيبقى لأيام قليلة عشان أشهاد ، وعشان شامي كمان ، وعشان لما أمشي من هنا محسش بالذنب أني فرقت ما بينكم .. ولو كنت فاكر أني جتلك عشان أعتذر .. فمش هنكر

ابتلعت ريقها ودموع جرت على خديها وقالت وهي تنظر له بألم :
_ مش عايزة أمشي وحد هنا مضايق مني.

زم أكرم شفتيه واسودت عينيه من الغضب تحت كلماتها ، فعادت جيهان خطوات خوفا منه حتى التصق ظهرها بالحائط ، واكملت بدموع :
_ وأتمنى لما حد منكم يفتكرني ، يفتكرني بكل خير ..

ضرب أكرم يده بالحائط جانبها وصاح بوجهها بجنون، كأنه يكره مضمون هذا الحوار بينهما وقال بشراسة:
_ أنا مش عايز أفتكرك أصلًا، ولا عايز أفتكر وجودك هنا في يوم من الأيام .. أطلعي برا ، وأمشي من هنا دلوقتي حالًا !

ذهلت جيهان وهي تراه يتحدث بتلك الطريقة الجنونية العنيفة ، فنزف قلبها وهي تركض من أمامه باكية واقسمت أن لا تظل هنا لحظة واحدة ، حتى لو عادت مئات الكيلو مترات زحفا !! .. وتفاجأت وهي تركض وبدت لها الخطوات والحركة ثقيلة والدوار يملأ رأسها ، بأنه أمتطى أحد الخيول وخرج خلفها على الأسود الراكض وينهب الأرض ركضا، ووقفت جيهان تنظر له بدهشة وهو يدور حولها بذلك الحصان الأسود الضخم ويغلق بذلك الحاجز الترابي أي ممر للعبور والهروب من أمامه !!

كأنه يحتجزها ! .. كأنه يقول كلمة لا  للرحيل دون التفوه ! .. تكونت سحابة ضخمة من الأتربة حولها من جميع الجوانب وسعلت بشدة ثم سقطت مغشيًا عليها بعد دقائق..!

                                 **********

وبنظرة تخفي أجيج من النيران راقب "زايد" زوجته فرحه وهي تستعد أمام المرآة للخروج ، وقال بغموض :
_ للدرجة دي مستعجلة على الخروج !

استدارت فرحة وقالت بابتسامة واسعة وهي تحمل حقيبتها:
_ حجزت ميعاد في الكوافير ، هاخد وقت عشان هعمل شعري كمان ، ما تنساش الحفلة هتكون بدري ولازم استعد كويس ، دي حفلة معمولة عشانا اصلًا ، يعني العيون كلها هتكون علينا.

ابتسم بسخرية وقال :
_ تعملي شعرك ؟! .. هو مش أنتي محجبة ؟!

قالت فرحة بمرح وفرحة طفولية :
_ ايوة طبعا ، وهفضل بحجابي ، بس حبيت استغل الفرصة واغير تسريحة وشكل شعري ، وممكن اصبغه كمان ..

حذرها بعصبية :
_ مش هيحصل ! ... مش عايزه غير أسود !..

نظرت له وأرادت كسب وده لهذا اليوم بكامله دون افتعال مشاكل، فقالت بضحكة مرحة :
_ أمرك مُطاع يا مولاي .. تؤمر بحاجة تاني ؟

قال بنظرة حادة :
_ ما تتأخريش ..

وافقت وهي تركض من الغرفة ، وانتظرها زايد حتى تأكد أنها خرجت من المنزل بكامله وابتعدت بالسيارة ، ثم استعد سريعا وخرج وقد تأكد أن لا أحد رآه ..
وعندما وقفت فرحة عند صالون التجميل أمرت السائق بأن يعود للمنزل وينتظرها حتى تتصل به ليأت إليها ، وبمجرد أن أخافى السائق من أمامها أوقفت سيارة أجرة وذهبت مباشرة لعيادة الطبيب المختص سابقا بحالة "زايد" ...

                             **********

بعد مرور ساعة تقريبًا كانت تجلس أمام الطبيب بعيادته النفسية وقد بدأت الحديث منذ دقائق ، وأضافت بحيرة:
_ يعني حضرتك ما تعرفش عن اللي حصل لزايد بالضبط ؟! ... أنا محتاجة أعرف التفاصيل بالضبط ، عايزة أعرف الحقيقة !

رد عليها الطبيب بهدوء وقال مؤكدًا :
_ اللي فاكره من القضية دي لأنها كانت وقتها قضية متداولة ورأي عام ومنشورة في أكتر الجرايد بأن ولد مراهق شهد على انتحار أمه ودخل بحالة نفسية عنيفة وحس انه المسؤول عن وفاتها لأنه مقدرش يوقفها أو ينقذها ، ده اللي اتنشر في الجرايد وقتها ودي الحقيقة فعلًا .. أنا فاكر أةل مرة قابلت فيها زايد كان بيصرخ ومصر أن هو اللي قتلها !

صدمت فرحة وهتفت بصياح: 
_ ايوة ، هو ده اللي شوفته في الفيديو ، كان بيصرخ وبيعترف أنه قتلها ..

أكد الطبيب وقال :
_ وده اللي قاله زايد وفضل مصر عليه ، لحد ما شوفت فيديو تاني ، لكاميرا في العمارة اللي قصاد شقتهم ، بتبين زايد وهو متمسك بإيد ولدته وبيصرخ ، وهي اللي زقت ايده عشان تقع وتموت .. الفيديو ده كان قاسي جدًا ، بس للأسف ملحقتش اوريه لزايد لأن تليفوني اتسرق وكل حاجة راحت ..

صمتت فرحة والحيرة تملأ عينيها ثم قالت وهي تتنهد بارتياح :

_ المهم أني اتأكدت من حضرتك أنه بريء ، ولو أني عايزة الفيديو ده بأي طريقة ! ..

شرح الطبيب وقال :
_ الفيديو دلوقتي مالوش لزوم ، وقتها كان مهم لأن زايد في حالته دي كان ضروري يشوفه ، لكن دلوقتي هترجعيه لحاجة هو بيحاول ينساها بكل قوته .. فمانصحكيش تعملي كده ..

قالت فرحة بعدما تذكرت نوران وأبنها الحقير وما يخططان له :
_ الفيديو ده هيظهر في الوقت المناسب ، هيبقى رد وانتقام لأي حد يفكر يشوه سمعته ويأذيه ... أنا مش هعرضه للموقف ده واخليه يرجع يفتكر حاجة بشعة زي دي ، أنا عايزاه حماية ليه وأثبات أنه بريء .. ارجوك ساعدني اقدر اوصل للفيديو ده أزاي ، وساعدني أعالجه من حالة الغضب والتشنجات اللي بتحصله ..

صمت الطبيب لبعض الوقت وقال :
_ أنا هساعدك يابنتي وهحاول أوصل لصاحب العمارة اللي خدت منه الفيديو ، رغم أنه بعدها الراجل ده أختفى تماما وحاولت الاقيه بس فشلت ، لكن بالنسبة للعلاج الدوائي فلازم ده يبقى بعد كشف طبي كامل على زايد عشان أقدر اديه العلاج المناسب ، بس العلاج النفسي أقدر أفيدك فيه ..

قالت بألم :
_ ساعات كتير بتصدم فيه ، بيبقى شخص واللحظة اللي بعدها بيتحول لشخص تاني ! .. بيعاقبني أني بدور على الحقيقة ! .. متخيل أني كده محبتهوش كفاية ! .. انا هدور على الحقيقة ليه واتعب نفسي لو مكنتش فعلًا عايزة اتأكد أنه بريء وأفضل معاه! ..

أجابها الطبيب وقال :
_ زايد كان بيحب والدته جدًا، كانت بالنسباله مصدر الأمان والحنان والثقة ، وفي لحظة قررت تسيبه وبقرارها هي ، وده اثبتله أن حتى أقوى احساس حب ممكن يحسه بشر وهو حب الأم لولادها ممكن جدًا ما يبقاش حقيقة وتتخلى عنهم بسهولة ! ... زايد محتاج الأمان اللي اتحرم منه بالطريقة البشعة دي ، بس محتاج مع الأمان ثقة وتأكيد أنك هتفضلي معاه ... هتشوفي كتير منه ، بس لو بتحبيه هتتحمليه لحد ما يتخطى المحنة دي ... موافقة ونبدأ رحلة العلاج ولا مش قدها وما أتعبش نفسي ؟

قالت فرحة بلهفة وبكل ثقة وتأكيد :
_ موافقة وقدها .. وهتشوف بنفسك ..

ابتسم لها الطبيب وقال بمرح :
_ زايد محظوظ جدًا ... مستني اللحظة اللي هحكيله فيها عن زيارتك دي واللي هتعمليه عشانه ...

نهضت فرحة وهي تشع أملًا بالآت ، وبكلمات الطبيب المتفائلة بالخير ، وخرجت من العيادة وهي تتنفس بارتياح ، ولكن صدمت بوجود هيثم !! ... والذي يبدو أنه ينتظرها منذ وقت طويل ! ... واقترب منها وهي تقف أمام المصعد وقال :
_ كنت وراكي خطوة بخطوة من عند صالون التجميل ، لحد ما هربتي وجيتي على هنا، عايز اتكلم معاكي شوية يا فرحة !

انعقدت الكلمات بحلقها وهي تراه يتجاهل وجوده أمام عيادة الطبيب النفسي! .. وحتما عرف سبب الزيارة ! ... فهتفت بعصبية في وجهه :
_ ماشوفتش في بجاحتك ! ... أنت عايز مني ايه ؟!

قال بخبث وبلعبة شيطانية :
_ عايز أساعدك في علاج زايد ، يمكن دي تكون صفحة جديدة ما بينا ، انا زهقت من كتر عداوتنا ومش شايف ليها اي داعي بصراحة ..

نظرت له فرحة وفهمت لعبته الحقيرة ، ولكنها قالت :
_ بجد !! .. طب كويس ، سيبني أفكر ، عن أذنك .

ونزلت على درجات السلم حتى لا يتمادى ويدخل معها المصعد بالاجبار ، فلحقها حتى الدرجات الأخيرة وتحدث معها بهدوء قائلًا :
_ طب ممكن تركبي معايا أوصلك ؟... اكيد مش هسيبك تركبي تاكسي وعربيتي هنا !!

قالت بنفاد صبر وهي تتصنع الابتسامة : 
_ لأ اكيد في البيت محتاجينلك أكتر عشان الحفلة ، بعد أذنك ..

فأوقف هيثم سيارة أجرة وحاسب السائق قائلا لها :
_ لو أحتجتي أي حاجة كلميني ..

لم تجيبه فرحة وتجاهلته عمدًا وهي تفكر كي تتجنب شره حتى لا تفشل خطتها مع الطبيب ، وحينما كانت تحاول جاهدة أن تتجنب نيران من كومة حطب ، كان ينتظرها بركان ناري بعينيه التي تحولت للجحيم وهو مصدوم برؤية هيثم معها ويخرجان من نفس المبنى لعيادة الطبيب النفسي ، ماذا يفعلان سويا وما يخططان له ؟! ...

                                *************

فتحت جيهان عينيها ببطء لتجد الصغار حول فراشها والدموع بأعينهم وخائفين ، وبمجرد أن استفاقت قليلًا اقتربوا منها بلهفة وقال بقلظ بقلق شديد :
_ خضتينا عليكي أوي ..

وانتقلت بعينيها من طفل لآخر يتحدث معها ويطمئن عليها ، بينما كان هناك من يقف وينظر للنافذة والحزن يكسو معالم وجهه ، خلاف ما شاهدته تماما من عنف وشراسة بوجهه قبل أن تفقد الوعي ، وتسمرت عينيها عليه بدموع وخذلان ، حتى تحرك وجهه نحوها ببطء وقال للصغار وهو يتهرب من عينيها :
_ خلوها ترتاح شوية ...

وأضاف والألم يملأ عينيه :
_ عربيتي جاهزة في أي وقت تحبي تمشي فيه ، هوصلك بنفسي عشان أكون مطمن عليكي وتكوني في أمان .. أنا مكنتش عايزك تمشي .. بس دي رغبتك للأسف ..

وصمت بعدها ، ولكن دموع الصغار لم تصمت، وارتفعت الأصوات بالبكاء ، فخرج أكرم من الغرفة ولم يعد يحتمل الموقف أكثر من ذلك ..  وعاد لغرفته ، ولكن في طريقه للعودة لاحظ أن بكاء الصغار وأصواتهم انقطعت فجأة ..  فما الذي حدث ؟!

#سيد_القصر_الجنوبي
#رحاب_إبراهيم_حسن


You are reading the story above: TeenFic.Net