الفصل السابع عشر الجزء الثاني

Background color
Font
Font size
Line height

الفصل السابع عشر الجزء الثاني 

أرجو الدعاء لخالتو بالشفاء العاجل

"والآن نفترق"

حينما يخذلك جسدك ويتملكك التعب نفسيًا تُصبح كورقة في مهب أي ريح، تتقاذف نحو صحراء المشاعر المُبهمة

نهارًا حارقة ومؤذية تلهب صدرك

وليلاً باردة كملامحك الفاقدة للشغف

وفي كلتا الحالتين

تستدعي مُقلتيك الدمع علّك تشعر

ترقد على سريرها تنظر للسقف، لقد حانت اللحظة التي تجلس بها مع نفسها وتُقيّم أفعالها التي مؤخرًا تدفعها لاستهلاك أخر ذرات صبرها ثم تُكلفها احمرارًا للوجنتين

زفرت بقنوط ثم أغمضت عينيها، وما إن فعلت حتى داهمتها نظرة جدها التي لن تنساها كما لن تنسى خذلانه لها أمام والدتها

وتلك الأخيرة...

لقد علّمتها الدرس جيدًا أنه لا يوجد حبًا نقيًا للأمهات كما يتغنون، هناك بعض الأشخاص مثل أمها لا يدركون معنى أن تمنح حبًا متساويًا لأولادك دون تفرقة

ودون أن ينظر أحدهما للأخر كأنه سلبَ منها شيئًا ثمينًا

وضعت يدها على عينيها عندما شعرت بانسلال دمعها ليندثر داخل الوسادة دون أن تلحقه كما بقية أحلامها المتبخرة خلف وعود ذلك الوغد الذي أحبته...

لكن لم تلومه؟

فوالدتها هي الأخرى لم تُحبها بالقدر الكافي الذي يجعلها في غنى عن علاقة سامة كتلك!!

صعدَ صدرها عاليًا ثم هبطَ ببطء، مُتهدجًا كمن كانت على وشك البكاء ثم غيّرت رأيها لأنه لا فائدة!

لا فائدة من أم لا تحتضن

ولا أخ قريب

ولا حبيب يتمسك

ولا جد يسمع!

ربما قد تكون مُخطئة ناحية جدها، لكنه طالما عوّدها على الدلال لم الآن قرر أن يُنزلها من عليائها لتواجه خطئها!

فليتغاضى كالسابق ويضمها إليه مخبرًا إياها أن هذا اللعين لا يستحقها وأن مكانتها عنده لن تتغير، ومهما تخطئ سيكون موجودًا لأجلها

-تبًا لكم جميعًا...

قالتها بعنفوان وهي تعض شفتيها قهرًا ثم استدركت نفسها بسرعة

-ماعدا جدي... والله قلبي الرقيق هذا سيدفعني للهاوية مرة أخرى... لن يدفعني فقط سيمسكني من رقبتي ويلقيني فيها

رمشت عدة مرات وهي تتبين الصوت الخارجي الذي قطعَ وصلة ذكرياتها الثمينة، وبالطبع من سيكون غير أخيها وذاك والـ....غريب

-تبًا لك أيضًا أيها الغريب

لا تتذكر إن كانت تعرف اسمه أم لا، لكن لقب الغريب يليق به كثيرًا

بداية من لكنته الغريبة التي تتضمن إلغاء حرف الراء، ومصريته المتكسرة

تهليل آخر من الخارج وقد بدأت أصواتهم الرجولية ترتفع بحماس جعلها تزم شفتيها وتزيح الغطاء بعنف وتنتفض خارجة وقبلها لم تنسَ الوشاح كما المرة السابقة

-هناك أناس يحتاجون للراحة هنا إن لم تكونا تمانعا

كانت تتحدث بحدة والشرار يتقد من عينيها، فغيظها منهما قد تفاقم

كان أول من أجاب هو تميم وعينيه على شاشة التلفاز

-إننا آسفان أختي نحن نتابع مباراة رياضية ... إن أمكن أن تجلبي بعض المشروبات والمقرمشات التي أحضرتها سأكون شاكرًا جدًا

رمقته بغيظ قبل أن تلفت بغية الرجوع لغرفتها

-أحضرهم أنت لست الخادمة التي اشترتها لك والدتك

حدجها بعتاب قبل أن يحوّل نظره لبرهان الصامت منذ مجيئها، والذي كان يركز على شاشة التلفاز

-بنون!

همسَ لشقيقته وكادت ترد ردًا يفحمه لكن انتفاض برهان وصراخه متبعًا ذلك بتصفيق حاد

-يا إلهي هدف رااائع... أرأيت ذلك يا تميم .... الآن سترى من يفوز... هذه المباراة لنا يا فراعنة

-لا تحلم يا حبيبي سترى الآن ماذا سيفعل الفراعنة الذي تسخر منهم ،آخرك تربح حلويات من المخبز وليست مباراة كرة قدم

ردَّ برهان ببرود وهو يعقد ذراعيه لصدره

-دعك من هذا وأخبرني كم أصبحَ سعر الباذنجان وورق العنب في السوق؟

-يااااا

هدده تميم ليضحك الأخر ملئ فمه ويحوّل نظره لشاشة التلفاز مرة أخرى متابعًا المباراة

كانت هي تقف تتابع شجارهم الطفولي وتلقائيًا وقعَ نظرها على الشاشة لتجد أن المباراة بين مصر والجزائر...

مالت على أخيها تُحدثه بهمس

-أي بطولة هذه

أجابها ببرود دون أن يلتفت

-لن أخبرك

رمقته بغيظ لتجر أقدامها ناحية المطبخ آتية بالمشروبات والمقرمشات الخفيفة على صينية ثم نادت عليه ليقابلها والدهشة تحتل وجهه مشوبة ببعض الاستنكار

-هل تكرمت سيدة بنون علينا وأتت بالضيافة!

أعطته الصينية بحدة

-امسك يا تميم ولا تجعلني أبدأ... وأخبرني ما هي البطولة التي نتشارك بها مع الجزائر... وما الذي أتى بهذا إلى منزلنا أليس عيبًا أن تجلبه وأنا موجودة

رفعَ حاجبه يستوعب هجومها الغير مبرر، لكنه يستطيع أن يشعر بالشرارة التي تندلع في جوفها وتتسرب لوجنتيها ما إن تراهما..

على الرغم من أنه شقيقها لكنها لا تتعامل معه بطبيعة الأشقاء... فلن يتوقع منها وفاقًا في حديثٍ أو فعل!

تنهدَ بصوت مرتفع ثم تمتمَ حانقًا

-أولاً البطولة هي "كأس العرب"... ثانيًا لقد أتى إلى منزلنا لأنه لا يعرف شيئًا في مصر ولا المكان الذي نعيش فيه وحتى نستكشف المنطقة توقعي زيارته وربما تناول الغداء أيضًا أو العشاء....

قطعَ كلامه وهو يأخذ الصينية منها ثم يُحدجها بصرامة ويُتابع

-ثالثًا أنا أكون محرِمًا لكِ يا بنون فأنتما لا تمكثان في الشقة وحدكما وأنا لست مخنثًا لأجعله يفعل شيء أو يختلط بكِ زيادة عن اللازم وهو لن يفعل فمظهره يوحي بتربيته الجيدة

تغضن وجهها بالحمرة جرّاء غضبها لتجده ينظر في عينيها، لتسمعه يُلقي عليها أخر كلماته قبل أن يبتعد عنها

-رابعًا لا تتواقحي عليه أو تُخرّبي مزاجه بكلماتك الجارحة لأن الرجل لم يفعل لكِ شيئًا..... أنا سأحتملك لأنني أخاكِ وأعرف أن ما بيننا لم يكن على ما يرام... لكن هو لا ذنب له فيما فرضه جدك عليك فلا تنتقمي منه هو

عجبًا ..!

كيف يكون بكل هذه الثقة بينما ينظر لعينيها ويتحدث!، أيقوم بدور الشقيق التوأم الآن ويفرض عليها أوامره والتي لن تمتثل لأي منها...!!!

جزءً منها يتمرد غاضبًا منه

والجزء الآخر يعترف أن ما قاله صحيحًا!

هم المذنبون.... لم تنتقم من الغريب؟

وعلى العكس

هو من ساعدها عندما كانت تهــ...

-ااه يا إلهي لا أريد التذكر... بئس ما كنت سأفعله ولأجل من ... لأجل حقير

قررت أن تأخذ هدنة مع نفسها وتفكر بحنكة لتعرف كيف ستتصرف في الأيام القادمة

خاصة وأن العدو أصبحَ عدوين وعليها أن تتحصن جيدًا

وفي طريقها لغرفتها لمحته يدلف ناحية المرحاض فوقفت تحدق به حتى انتبه ونظرَ لها بازدراء قبل أن يستدير بظهره ليقابلها

اغتاظت من نظرته لها، أيرد لها وقاحتها بنظرة مُتكبرة كتلك من عينيه التي لمحت بهما حدة غريبة على النظرة الهادئة خاصته

-اذهب واحتفل بالأهداف في بلدك.... أنت هنا في مصر وعليك احترام قوانينها

التفتَ لها لتقف أمامه بثبات تعقد ذراعيها لصدرها في تحدٍ وانتظار لما سيقوله... لكنه فاجئها ككل مرة وضحك!

فقط...

**************

لقد انتهت اللعبة وحان الوقت لتكتشف أن كل ما بذلته في سبيل إسعاد شخص تُحبه ما هو إلا بداية فتيل اشتعالك

فاحذر من النار مرة

وممن تحب ألف..!

فلاش باك

أثناء ما كانت تنتظره رنَّ هاتفه برسالة، لم تشغل بالها لكن عادت النغمة تتكرر وتتوالى الرسائل بشكل ملحوظ ويبدو عندما لم يجد المرسل ردًا قامَ بالاتصال

وهنا كانت تتخذ قرارها بأن تجيب على الهاتف

وضعت الهاتف على أذنها لتجد سيلاً من الكلام يندفع من فم سيدة غاضبة، مُشتاقة

-أين أنت يا سلطان لقد بعثت لك العديد من الرسائل، من المفترض أن تكون هنا منذ ساعة لنذهب إلى المكان الذي وعدتني بزيارته

انخلع قلبها من صدرها واهتزَّ الهاتف من يدها لتجد السيدة الغاضبة تتابع

-أنا أنتظرك هنا وأرتدي ملابسي ... اترك ما عندك قليلاً وتفرغ لي فأنا زوجتك أيضًا

أغلقت الهاتف في وجهها، ثم فتحت الرسائل التي تدافعت ... لتجد فتاة جميلة رقيقة ترتدي ملابس عصرية، شعرها الناعم يحتضن رقبتها وملامحها المنمقة رقيقة يزينها أحمر شفاه وردي يُناسب بشرتها

وضعت يدها على فمها تمنع الشهقات المناسبة منه دون وعي، لتجد ان وجهها أيضًا مبللاً بالدموع

وأما بقية الرسائل

فهي جحيم آخر

"اشتقت إليك يا حبيبي... متى تأتي؟"

"سلطان ان لم تأتي الآن سأرفض الذهاب معك"

"حسنًا لنرى من ستنام في حضنها اليوم"

"هل بإمكانك الرد أم أن زوجتك معك؟"

انساب الهاتف من يدها ليقع على الأريكة لتنهار بجانبه وتدفن وجهها في يدها وتبكي بحرقة

تبكي خذلانها

وقهرها

وزواج حبيبها عليه!!

يا الله ما هذا الشعور الذي يطرق جسدها دون هوادة مانعًا تنفسها بحرية

تشهق بصوت عالٍ وملامحها مُغرقة بالدموع التي أشفقت عليها أخيرًا

لكنها لم ترحها

بل ذكرتها بما قدمته بكل طيب خاطر وانقلبَ عليها ليجعل حياتها سواد

سلطان يتزوج عليها!!!

من فضلّته على الجميع واختارته بإرادة قلبها ؟!!

والله لم تكن لتصدق لولا أن الدليل بين يديها

ويبقى السؤال لم فعلَ هذا

لم خدعها وألقى بها من شاهق السعادة لتصطدم بصخرة القهر!

علا صوتها فأخذت تضرب على فمها لتوقف البكاء والنحيب لكنها لم تقدر، بل فقدت قوتها حتى استسلمت قدماها للأرض

-اللعنة عليك وعلى حبي لك أيها المنافق الحقير... أكرهك وأكره اليوم الذي تزوجتك فيه

صرخت بملء المرارة المندلعة في حلقها، وبقدر الجحيم الذي توقدت نيرانه داخلها

فهي امرأة مخدوعة ذاقت الويلات من تحت رأس حبها

ولكن كان هذا انهيارها الأول والأخير فبعدها استجمعت شتات نفسها ومسحت دموعها وأظهرت له من تكون رابحة... وإلى أي حد ستصل إن تطلب الأمر

فهي الآن ستنتقم لكرامتها وذلها على يديه

باك

صمت مُطبق يلّف أرجاء المجلس وكأن على رؤوسهم الطير!.

الجميع باستثناء النساء وسالم المكلوم

الجد ينتظر ويبدو أن الكلام يُعجبه

وتتماوج المشاعر حول بقيتهم بين الغضب والصدمة وعدم التصديق

النساء يفغرهن فاههن كما لو أنهم شهدوا إحدى عجائب الدنيا السبع

ولكن وقع ذلك عليهم أفظع

فرابحة للتو أعلنت بكل وقاحة أنها ستنفصل عن سلطان لأنه ليس برجل... أو ما قالته صحيحًا يمنعها من الإنجاب... وهنا التساؤل!

أي منهما يمتلك سبب العلة!!

-ما الذي قلته للتو

هسهسَ سلطان بفحيح وهو يستقيم بجسده المشدود توترًا من مكانه ويتجه نحوها ببطء شديد

أجابته وهي تجلس بجانب جدها، ظهرها مفرود ونظرة عينيها تمتلك الكثير من القوة أكثر مما عهدها

-كلامك مع جدي ليس معي

تبادلا النظرات هو يقف أمامها كأسد جريح وهي تجلس كملكة تأمر بالقتل لخائن مملكتها

لقد تخيّل أن تثور أو تغضب، تجافيه لأشهر... تحرقه بنيران بعدها

ترتمي في حضن جدتها لتأخذ حقها منه

وهو كان سيخبرها بسبب هذا الزواج

كان سيركع على ركبتيه ويطلب منها السماح متوقعًا رفضها مرارًا ... ولكنه لم يكن لييأس

لن يترك رابحة بعدما أضحت امرأته الوحيدة التي دقَ لها قلبه...

وللقدر رأي آخر

لتكتشف رابحة خيانته بزواجه من أخرى ويُصبح هو في موضع دفاع

ولكن أن تهتمه بمثل التهمة الشنيعة

ما لم يتوقعه أبدًا

لقد طعنته في رجولته

والآتي كان يذبحه

-أريد أن أتطلق منك يا سلطان ... لا عيش لي معك بعدما تزوجت عليّ

-زواج!!!

-هل تزوجت على ابنتي يا سلطان بينما تحرمها من الانجاب؟

كان عادل أول من تفاجأ وتبعه محمد الذي هدرَ غاضبًا واندفعَ نحو سلطان ممسكًا إياه من تلابيب قميصه

-ابتعد عني أنت الأخر

أزال يد عمه وأراد الاقتراب من رابحة لكن محمد عاد يقطع طريقه ويجابهه بحدة

-تحدث مع عمك باحترام يا سلطان أنت المخطئ هنا

-اهدأ يا عمي

كان هذا عدي الذي تخلت عن المفاجأة وتركَ صمته واستقام مدافعًا عن أخيه الذي انقلبَ الجميع ضده للتو

-أريد أن أحظى بمحادثة مع جدي وسلطان فقط

تشكلت قبضته واختلجت عضلات صدره إثر نبرتها الحاسمة التي توحي بالكثير المبطن تحتها، ترى ما الذي تخفيه أكثر من ذلك

-اخرجوا جميعًا واتركوا لي سلطان ورابحة

توجهوا للخروج بينما ظلَّ محمد واقفًا أمام زوج ابنته ودفعه في صدره قائلاً من بين أسنانه

-سأنتظرك في الخارج يا ابن أخي..

قبضَ سلطان على شفتيه بانفعال وأدار وجهه مغمضًا عينيه حتى لا يرى نظرات عمه الفاحمة وليستعد لمعركة أقوى تُديرها الشرسة زوجته

-اجلس يا سلطان لنتحدث

أمره جده ببعض الغلظة، فاستجابَ فورًا وهو يحاول أن يجلي حلقه استعدادًا للقادم

-أولاً يا جدي هذا الأمر بيني وبين زوجتي وأنا كفيل بإمساك زمامه فاعذرني أنا سأنهيه بنفسي

قالها وهو ينظر لرابحة التي تبادله النظرات دون أن يرف لها جفن، وإن كان يظن أنها سترد فهو مخطئ...

فما سيخرج من فمها سيحرقه

-حسنًا يا سلطان أنتما بحاجة للحديث لكن لتعرف ما الذي تتهمك به زوجتك أولاً

رفعَ حاجبه منتظرًا الإجابة ليلقمه كامل الحقيقة الكاملة... المرة

-زوجتك تطلب الطلاق لأنك لا تعطيها حقوقها الزوجية

ثانية

اثنتان

ثلاث

حتى استوعب ما سمعه للتو!!!

لقد طعنته في رجولته فقط بكلمات بسيطة أمام جده لكنها صحيحة

انسحبَ الهواء من الغرفة ولم يتبقَ سوى النظرات الشزرة المجروحة التي يُطلقها سلطان إلى رابحة وهي تستقبلها بكل أريحية وثبات

-لا أعطيكِ حقوقك؟!

صوته الهادئ المُعذّب ونظرته المنكسرة اخترقا قلبها دون هوادة لتنفلت إحدى دقاته خطئًا... وهي قد دربته طوال الليل ألا يُخطئ

وبما قد يُفيد الصفح ؟!

لقد انكسر شيئًا بينهما

ربما يكون قلبها

أو الأمان

أو الحب!

فبما قد يفيد الصفح؟!

كادت تخفض رأسها أرضًا هاربة من تأثيره عليها لكنها أبت أن تظهر له نُطفة من ضعفها، كما عهدت نفسها ستظل تناضل حتى النهاية

عسى أن يتغير القدر في اللحظة الأخيرة... اللحظة التي تستسلم فيها!

صوت تنفسه العالي هو من يخرق قوانين الصمت الذي احتلَ الغرفة، حتى لم ينتبها أن الجد خرج وتركَ لهما زمام المعركة ..

-هل قصدتي ما قلته!

كان هو أول من بدأ دفة الحوار بنبرة مكتومة تخفي تحت طياتها غضبًا سافرًا

-لم أخطئ في حرف

والإجابة كانت صفعة حطت على وجنتها

صفعة أدارت وجهها للجهة الأخرى وقلبها نحو الهاوية

صفعة ربما تستحقها وربما هو الأجدر بها!

-لم فعلتِ ذلك يا رابحة .. لماذا لم تأتي وتسأليني وتعاتبيني!! .... هذا الأمر ليس فيه رجوع ما فعلته سيدمر كل شيء بيننا

يهزها من كتفيها وملامح وجهه توحي بانفلات عقاله، داخله يحترق من فعلتها ولا يصدق أنها رابحة من فعلت

أزالت يده بحده من على كتفيها ووقفت أمامه تحدثه بشراسة مبتسمة

-لا تضع يدك عليّ مرة أخرى ... لمساتك أصبحت تقززني... أأنت مقهور لأنني أخذ حقي؟، ألم تتوقع ردة الفعل هذه وأنت تذهب وتتزوج من امرأة أخرى

صرخت في أخر جملة ثم تابعت بنفس النبرة

-امرأة أخرى أصبحت على اسمك، نامت على صدرك، وأخذت منك ما لم أخذه أنا... امرأة شاركتني فيك وأنت بكل أريحية وافقت كحيوان يلهث وراء النساء

-اخرسي

والصفعة الثانية حطت على نفس الوجنة، لكــن بجرح جديد من ضمن عدة جروح لم تلتئم

-هل هذا يؤذي رجولتك؟!.. إذًا هذا نقطة في بحر ما تأذت به أنوثتي

يقف ناظرًا لها بوجنتها الحمراء ووشاحها الذي تزحزحَ من على شعرها ومنظر دموعها المختلط بكحل عينيها

يقف دون حراك ينظر ليديه اللتين ارتفعتا على حبيبته و قتامة ملامحها ووقوفها الثابت

عيونه الحمراء ذات الشعيرات الدموية الرفيعة قد امتلأت دموعًا لم تزل قدمها بعد، لقد كان يكبح نفسه عن الانهيار أمامها لكن لو هذا الحل لتعود فهو سيرحب به

-رابحــة أنتِ لا تعرفين غاية هذا الزواج، ليس باختياري أبدًا ولم أكن لأفكر في الزواج عليكِ خاصةً وأنا أحبك... أرجوكِ اسمعيني ... دعيني أشرح لكِ الأمر

تفرست فيه لوهلة ثم أطلقت ضحكة عالية خالية من أي سعادة؛ ضحكة استنكار جعلت دموعها تتدفق على وجنتيها بلا حساب بينما لا يزال فمها منفرجًا يتمتم ببعض الأشياء التي لا يسمعها

-حقًا ما تقول؟ هل سأعود لك بهذه البساطة!! او سأعود من الأساس؟

لقد كسرت الثقة التي بيننا بفعلتك الشنعاء التي لم تفكر بها...

قطعت حديثها وهي توبخ نفسها

-ما الذي أقوله ليس لي علاقة بهذا الأمر... انت ستطلقني وستذهب إلى حال سبيلك.. وربما بعد محادثتنا هذه تهرع إلى فراش زوجتك علها تطفئ نيران صدرك التي أحرقتها...

أصابعها التي ربتت على صدره كانت كفيلة بإشعال النيران داخله مرة أخرى، أمسكَ سبابتها وقربه من فمه لكنها كانت أسرع وهي تنتشله من قبضته وتهدر بصوت عالٍ

-هل تظن أنك هكذا ستسكتني؟ أنت حتى لا تدرك الخطأ الذي ارتكبته يا سلطان... لقد تزوجت عليّ بإرادتك... وبعدما أخبرتك بمقدار حبي واحتياجي لك لأجد كل نظرات الحب ومشاعرك لي مجرد كذبة كبيرة صدقتها بسذاجتي

بعدما أعطيتك كل ثقتي التي اتضح أنها ليست في محلها.

كنت أنت الوحيد الذي آمنت نفسي معه وأعطيته قلبي بكل سعادة وما المقابل؟؟ هااا!!

لقد أهنته وقللت من شأنه حتى ما عاد ينبض بل ينتفض وجعًا

أنا أكرهك يا سلطان.. أكرهك وأكره كوني زوجتك

كانت تبكي وهي تتحدث بهستيرية وهو لا يستطيع السيطرة عليها فما إن يفعل حتى تعاجله بدفعة مُشمئزة تبعده

استدارت حتى لا ترى وجهه الذي بات يؤرقها في تلك اللحظة

-لهذا لم تلمسني منذ زواجنا فهناك أخرى تُلبي ما تريد.. فما فائدة رابحة الجاهلة التي تزوجتها غصبًا لأنها طلبت ذلك

إلى هنا وقد استكفى من معاتبتها هي لا تعرف أنه متقد الآن يجلس على صفيحٍ ساخن وقدرته على المقاومة صفرًا لكنه يحاول من أجلها.. ومن أجلهما معًا

أدارها إليه بعنف ثم استجمعَ كلماته ليهبها لها مرة واحدة

-أنا أحببتك .. وتزوجتك لأنني اكتشفت أن قلبي لم يكن سوى لك، أمر أنني لم ألمسك كان بسبب هذا الزواج ... لم أرد أن أبدأ معكِ حياة تشاركك فيها أخرى...

-لقد شاركتني وانتهى الأمر .. كما انتهى أمرنا يا سلطان

الآن ستطلقني ولن تراني مرة أخرى

استفحلت كلماتها داخل قلبه لتنخره وتُزيد آلامه، لا تتهاون أبدًا في الطرق على شعور الندم بداخله وقد نجحت في ذلك

وبغتة كان يقف أمامها يفصل بينهما إنشات قليلة، أنفاسه تداعب بشرتها وليت قلبه يُداعب قلبها فتميل مرة أخرى

-رابحة أنا أسف، والله أنا نادم من كل قلبي... بإمكاني أن أنسى ما قلته في حقي وتدعيني أشرح سبب زواجي وحينها اصرخي واغضبي لكن لا تتركيني أرجوكِ .... هل يمكنك!

يا إلهي

لم يعود سالبًا كل أنفاسها وهو متيقن أنه سيفوز

هل تستطيع أن تظل على رفضها وتثأر لكرامتها

أم تميل!!

وهي تعرف

(إن اتبّعَ القلب ميله فيا ويله)

******

-يا إلهي هل تزوجَ سلطان على رابحة؟؟؟ كيف بإمكانه فعل هذا لقد كانت تحبه

هدرت نهاد وهي تجوب الغرفة ذهابًا وإيابًا وعدي يجلس على الفراش متجهم الوجه، مضطرب الخاطر

-والله لم أكن لأصدق لو ليست أنت من أخبرني... سلطان!!.. عار عليه والله لقد خدعها والفتاة متيمة في حبه وتقول فيه أشعارًا

أردفَ عدي بانزعاج عندما وجد دفة الحوار تتغير ضد أخيه

-وما الذي فعله الرجل ليتلقى كل هذا الهجوم، لقد أقام شرع الله ولا خطأ في ذلك.. ذلته الوحيدة أنه لم يخبرها

فكت عقدة ذراعيها واتجهت ناحيته لتقف أمامه تنظر له بينما تقف بتحفز

-إذًا المعضلة الوحيدة هي أنه لم يخبرها؟؟!! هل هذا ما تراه!!... بالتأكيد أنتم معشر الرجال تدافعون عن بعضكم حتى في الخطأ ولا تقدرون الأنثى المقهورة

ارتفعَ طرف شفتيه باستنكار

-مقهورة؟!! رابحة مقهورة؟! والله أصدق أن البحار ستجف لكن رابحة لا يصيبها هذا الشعور أبدًا ... أنتن يا سيدات تقهرون بلدًا كاملة ولا يرف لكم جفنًا

بدأ في خلع ملابسه ليرتاح لكنها لم تتركه بل تبعته في كل بقعة من الغرفة يتحرك بها وهي تتحدث بعنفوان وتلهف كأن القضية قضيتها

تشعر أنها هي من تزوج زوجها عليها، فرابحة صديقتها التي انتشلتها من بؤرة الظلام عندما جاءت إلى هنا وتنمرت عليها حماتها وابنة أختها

فلم لا ترد جميلها حتى لو كان شعورًا مؤازرًا!!

أقل القليل أحيانًا يُفيد

-يا عدي يا حبيبي مهما بلغت قوة الفتاة تبقى الأنثى أنثى تحتاج للحنو والدلال، وأن يتلقفها صدر بعد ليل طويل من ادعاء الثبوت، المرأة الشرسة مثل الفرسة لها جواد يروضها

رد عليها بدون رغبة في الاستكمال

-اممم نعم حبيبتي معك حق

شهقت وهي تراه يتمدد على الفراش مغمضًا جفونه

-هل ستنام وتتركني أتحدث مع نفسي في هذا الموضوع؟

سخرَ قائلاً وهو يفتح عينيه

-حبيبتي أنا مُتعب .. أرجوكِ أجلّي قليلاً الاستوديو التحليلي الخاص بك عندما أستيقظ

مطت شفتيها بضيق وتمتمت

-حسنًا

ثم تمددت بجانبه لتندس في أحضانه وهو بدوره يُحيطها بذراعيه مقبلاً جبهتها لتستكين

لم يمر من الوقت سوى دقيقة حتى نادت عليه بهمس

-عدي.. عدي .. هل انت مستيقظ

همهمَ وقد بدأ النوم يتسلل لأجفانه

-أريد أن أسألك أخر سؤال

-لن أنام في ليلتي هذه أنا أعرف

همسَ بها لنفسه و فتح عينيه ليجدها تطل عليه بأعين متلهفة تشبه الجرو الصغير، بدا شكلها لطيفًا فلم يقدر على ازعاجها برفضه

-حسنًا حبيبتي اسألي... لكن هذا أخر سؤال بعدها سننام فالأن لدينا سالم وسلطان ومشكالهما التي لا تنتهي

-لن أخذ من وقتك الكثير

تنهدت وهي تنظر في عينيه وبللت شفتيها في محاولة منها لتبدأ الحوار الذي يوترها والإجابة التي إما سترفع للسماء أو تدكها في الأرض

أردفت باضطراب وتهدج شفتيها يُفرق الحروف تلقائيًا

-هل ... لو.. لم أنجب... ســ ستتزوج علي؟!

لكن الإجابة لم تأتها شفهيًا أبدًا بل تصلب جسده تحت ملمسها ونظراته الجامدة هي من نبهتها بذلك!!

وهو كان في عالم آخر...

يبحر في نقطة أخرى أخرجت ردة فعله المؤذية والتي ستجرحها دون قصده

فهو لا يصدق أنها لا تزال تشك في حبه ناحيتها

حتى لو تزوج سالم لأجل الولد

وتزوج سلطان لسبب لا يعلمه

أما هو ..فلا

هو لم يعش في القبيلة وتشرّب قوانينها

هو من هرب وهي هدته إلى الطريق ثم سارت معه لتطمئنه... لقد أصبحَ شخصًا سويًا بصحبتها

فلم هي تنتظر منه العوج؟!

-نهاد هل تسألين هذا السؤال حقًا؟!

نظرَ للدموع في عينيها وعلى حين غرة ارتفعَ صوته

-لا تبكي وتحدثي لم تسألين هذا السؤال وبتلك النبرة.. والله إذا أردت أن أتزوج فسأفعل حتى ترتاحي

اتسعت عينيها رعبًا مما قاله، وقلبها يدق بسرعة كأن الأمر على وشك الحدوث

لم تمهله قول شيء أخر واندفعت خارجة من أحضانه، خارجة من دفئه، وهو بالمثل استقامَ من الفراش وأخذ ملابسه وهرب هو الأخر

من نظرة عينيها

وملامحه المتألمة

ودقات قلبها الخائفة

هرب ليُهدئ مشاعره ويستجمع نفسه حتى يأتي ويطمئنها مرة أخرى في أحضانه ويوبخها على هذا السؤال

لكن بما قد يُفيد الندم بعدما فات الأوان!!

*******

-هل مصر تمنع القادمين من الخارج ألا يحتفلوا بفوز بلدهم؟... مصر كريمة جدًا فيما يخص القادمين من الخارج لكن من الواضح أنكِ لم تأخذي شيئًا من كرمها يا ابنة البدو

همهمَ برهان لبنون بعد وصلة ضحك استمرت لثوانٍ حتى عاد لرشده

أجابته بحدة

-هل تجرؤ على التشكيك في مصريتي أيها الجزائري

ردَّ وهو يهز كتفيه بلا مبالاة

-لا أشكك أنا فقط أقول رأيي

تخصرت وهي تقول ببرود

-لم أطلبه

شاكسها وهو يبتسم بجانب شفتيه، فكان مظهره جذابًا إلى حدٍ ما بالنسبة إليها

-رأيي يُفرض

You are reading the story above: TeenFic.Net