الفصل الثامن "الجزء الثاني"

Background color
Font
Font size
Line height


الفصل الثامن "الجزء الثاني"

كانت فقط شُعلة..

تفتح جِراحًا وتضمد أخرى..

مُلتهبة!

تُضرم نيرانها من نفخة واحدة من حقد

حارقة!

تلسعك بذكرياتها المشتعلة وتحرقك بتخبطك فيها

رباه!!.. كنتِ أنتِ تلك الشعلة

**********

ما الذي تريده المرأة أكثر من رجلٍ يعرف كيف يحتويها ويضع كل شيءٍ في نصابه الصحيح؟!

-يا إلهي!! كل هذا حدث من الحية ثريا؟

قالتها رابحة بعنفوان وهي تزم شفتيها بقوة، تطرق بقبضتها على راحتها الأخرى، ولم تكتفِ بل أضافت وهي تضيّق عينيها في تفكه

- وبالتأكيد شاركتها في الجريمة العقربة الأخرى خنفساء الحقيرة

ابتلعت نهاد ريقها في وجل، فيبدو من ملامح الفتاة التي تجلس أمامها أنها دخلت وكر ثعابين ولم تُدرك ذلك إلا بعدما ذاقت إحدى لدغاته، قالت في حزن وهي تفرك يدويها باضطراب

-يبدو أن تلك المرأة المسماة "حماتي" تكرهني كثيرًا، فهي منذ أول يومٍ لي وهي تتنمر على شكلي وجسدي.. وأخر الأمر تريدني أن أتجرع مشروبًا لأفقد الوزن.. أي إهانة تلك

قست ملامح رابحة وهي تستمع للمرة الثانية للحكاية من فم نهاد، وربتت على كتفها قبل أن تسألها وملامحها يغلب عليها العطف

-وماذا فعلتِ بعد ذلك؟

أجابت نهاد دون استيعاب

-فعلت ماذا؟؟

-بعدما جرعتك الكوب ما الذي فعلته لتردي على المهزلة التي حدثت؟؟

سألت رابحة بحدة لتأثرها بما حدث، وطفقت تترقب ملامح نهاد التي طغى عليها التفكير قليلاً؛ فعينيها تدوران في أنحاء الغرفة كأنها تتبع ماهية السؤال، وفي النهاية أجابت إجابة لم تكن تنتظرها... إجابة لم تُزد لها شيئًا سوى الغضب!

-بكيت

هدرت رابحة بعنف أمام وجهها

-بكيتِ!!! هذا الذي قدرّك الله على فعله؟!! البكاء يا نهاد؟

توجست نهاد منها فأرادت إصلاح ما أفسدته علَّ رابحة ترضى عنها

- بكيت وشعرت بالإهانة؛ الإثنين

بتلقائية رفعت إصبعي السبابة والوسطى في إشارة لرقم اثنين، ثم مطت شفتيها في صمت كأنها تحاول إيجاد، مثل من يبحث عن دلو ماء بعد مجيء رجال الإطفاء!

شعرت بألم في ذراعها نتيجة لقرصة قوية بعد الشيء من رابحة، التي انتفضت من مكانها وأخذت تصرخ فيها ونهاد مصدومة، مُتسعة العينين، ينتابها الخوف من الفتاة التي أمامها

-هكذا فقط؟؟ ألم تُخبريها أن تهتم بشؤونها وتُنزل وزنها هي أولاً بدلاً من التحكم في الأخرين... ألم تأخذي الكوب وتسكبيه فوق رأسها السميك الذي لا يفكر إلا في الخبث والمصائب؟؟.. يا إلهي يا نهاد! كانت تلك فرصتك لتثبتي لها أنكِ لستِ طيرًا يؤكل لحمه بسهولة، كان عليكِ أن تظهري ردة فعل أقوى من البكاء!

تغضنت ملامح نهاد باليأس الشديد، خاصةً تلك اللحظة التي ذكرتها رابحة بتفويت فرصتها، تهدلَ كتفيها وهي تُجيب بينما تهرب من عيني رابحة الشريرتين

-لقد أخبرتها أنني وعدي نحب بعضنا وألا تتدخل بيننا لأننا سعيدين هكذا

ردت رابحة بسخرية

-أكثر الله من خيرك يا فتاة... خير ما فعلتِ!!

أطبقت نهاد ذراعيها لصدرها وهتفت بينما ترفع وجهها عاليًا كأنها فعلت الشيء الصحيح

-ولقد أخبرت عدي بعدها، لكن لا أعلم أين ذهب

كانت تبدو كمن يتفاخر بما فعله وليس من قام بزيادة الطين بلة!، بها شيءٌ من اللطافة وهي تتصنع الازدراء جعلَ رابحة تبتسم دون صوت ولكن سرعان ما تبدلت ابتسامتها لضحكات عالية ومتتالية

راقبتها نهاد بدهشة فهي تحكي آلامها ومعاناتها والأخرى تضحك عليه، تبًا لم يكن عليها أن تستفيض بكل هذا الشرح طالما لن تجد منها سوى الاستهزاء!!.. تُفكر غافلةً عن المصائب التي حدثت لها بسبب طيبتها وطبيعتها اللينة

وفي ذات الوقت كانت رابحة تضحك على غبائها وسذاجتها، رغم أنها تكبرها في العمر لكنها لم تتصرف بشكلٍ جيد، أو على الأقل لم تأخذ حقها كما يجب أن تفعل مع شخصية سوداوية وحقودة مثل زوجة عمها ثريا!!

عندما أتت لها نهاد وفتحت لها باب الغرفة باضطراب بعد جولة سلطان المُبعثرة لمشاعرها، ناظرتها باستغراب في بادئ الأمر لكن نهاد أدحضت كل ذلك بنبرتها الودودة وابتسامتها البشوش

-أنا نهاد

ومن هنا بدأ الحديث الطويل، فمنذ أن عرّفتها بنفسها على أنها "زوجة عُدي"، أدخلتها وبدأت نهاد تسألها عن اسمها وقرابتها لعدي حتى توجست منها رابحة وأخذت دفة الحوار طارحةً الأسئلة

-حسنًا ولماذا جئتِ إلى هنا وأنتِ لا تعرفينني؟!

أجابتها نهاد بتلقائية

-سمعت والدة عدي تتحدث عنكِ وأنكِ محبوسة في الغرفة.. شعرت أنكِ أميرة محبوسة في برجٍ عالٍ وتنتظرين فارس أحلامك ليأتي لإنقاذك

ارتفعَ طرفي شفتيها في مرارة لحظية والجملة تطرق على وترٍ حساس، هي في هذا المنزل ليست أميرة بل عبدة مذلولة يكبلها الهوان، وتلاحقها الشفقة بينما هي تريد الخلاص من القيود القاسية المفروضة عليها، أما الفارس فهو سارق أحلامها وليس مُحققها، فقد أتى ليسلب راحتها ويمنحها سهادًا سيكون هو سيده في ظلام الليل الجافي

ازدردت ريقها ببطء وهي ترسم التجهم على ملامحها

-إذًا ثريا الحرباءة من قالت ذلك؟

اعتمدت ملامح نهاد التأزر فورًا وأردفت بحماس

-أتكرهيها أيضًا؟؟؟!!... لقد...

ثم بدت بسرد ما حدث دون حتى أن تسألها رابحة، لقد كانت تحكي وملامحها تنتفض من الحزن، بعض من العبرات تجمعت في مُقلتيها لكن سرعان ما تخبو خلفها إثر تعليق جريء من رابحة على ثريا يجعلها تضحك!

وبعد وصلة التفكير التي صاحبت ضحكاتها، صمتت أخيرًا ببقايا ابتسامة وجلست مرة أخرى مربتة على ذراع نهاد وقائلة

-أنتِ حقة طيبة يا نهاد لا تدرين قساوة العالم من حولك

-لم أولد في فمي ملعقة من الذهب يا رابحة أنا أيضًا ذقت مرارة غاشمة لم يزدردها حلقي حتى الآن

رمقتها رابحة بتفرس قبل أن يصلها صحة الحديث من جملتها التالية

-لقد قضيت فترة من عمري لم يزرني فرح ولا حتى نُطفة سعادة، كانت سنوات شقاء وحزن بوجود أبي وتدخله في حياتي حتى في أشيائي الخاصة،" أطرقت برأسها هنيهة ثم استطردت بابتهاج" لم أعرف معنى أن أكون حرة سوى مع عدي... هو من أعاد لي قليلاً من ثقتي في نفسي، لم يبخل عليّ بشيء وعاملني بحبٍ وفير لا ملحوظٌ طفيف في نضوبه حتى... أتعلمين! في أول مرة تقابلنا فيها لم ينظر لجسدي بل لعيني!!...

سكتت تقديسًا لما ستسرده وأكملت بحماس لم يخلُ من عاطفة امتنان جمّة

-تلك الحركة العابرة التي فعلها عُدي وربما لم يقصدها كانت هي أول طرفٍ في خيط حكايتي معه، يومها قلت لنفسي" هذا الرجل لم ينظر لجسدك الممتلئ ولا حتى لملابسك البسيطة.. هذا الرجل كان ركبًا في سفينة أبحرت في عينيك، ولمّا رست على شاطئ قلبك أحرق سفينته حتى لا يعود"

بدت كما لو أن تلك اللحظة حُفرت داخلها، وتركت تأثيرًا جميلاً فيها.. تأثيرًا أجمل من أن يُحكى

-ألهذه الدرجة تحبينه؟

قالت رابحة بابتسامة لمعت لها عسليتيها، فأجابت نهاد فورًا وهي تهز رأسها بلا تردد

-أنا وعدي مررنا بعدة عقبات، أخرها كانت قبل أن نأتي إلى هنا لكنه في كل مرة يستطيع أن يضع كل شيءٍ في نصابه الصحيح... يعرف كيف يحتويني

كانت تتحدث بحالمية وثقة لا مُتناهية تجاه زوجها، ابتسامتها تتسع والشوق في عينيها يفضحها، والآن أدركت نهاد أن شكوكها تجاه عُدي لا يمكن أن تكون صحيحة... هذا الرجل لا يفرط بها أبدًا!!

وفي تلك اللحظة كانت رابحة تسب سلطان داخلها

-على الأقل هناك من نجحَ في حياته في تلك العائلة... متى يا سلطان تحتويني... أيها الوغد!!

-عذرًا؟

نبهتها نهاد قاطعة سبّها لسلطان لتزفر رابحة بضيق قائلة بجدية وهي تثني قدميها أسفل بعضهما

-لا تشغلي بالك بي الآن، لكن أريدك أن تحذري من ثريا وشرّها، لكن لا تتجاهليه سأعلمك كيف تردي عليها الصاع بعشرة وليس واحدًا فقط، وبالمقابل تجاهلي نظراتها وكلامها عليكِ لأن تلك لا تتوقف عن الثرثرة حتى لو كنتِ ملكة جمال

أردفت نهاد باستياء

-كيف أتجاهل تنمرها على جسدي أليس لدي دم؟؟

ضيّقت رابحة عينيها ورمقتها باستنكار قبل أن تخفض الأخرى نظرها وتضعه أرضًا بإدراك أنها لو كانت تستطيع فعل شيء لكانت فعلته، اقتربت رابحة منها وأمسكت كتفيها وبنبرة جدية أكثر هتفت

-يجب عليكِ أن تكوني وألا تتركيها تُهينك، الأنثى ما هي إلا كرامة وشرف إذا فقدت أحد الصفتين ضاعت هيبتها وأصبحت بلا هوية، لذا تعلمي مني .. هذا المنزل لن تنجي فيه إلا إذا كنتِ صاحبة رأيك ونفسك، ولديكِ بأس يجعلك تقفين في وجه أي حد ولا تخجلي أن تردي على من يضايقك، و...

-لكن أريد أن أكون صديقتك أيضًا

قاطعت نهاد حديثها فجأة ونظرت بترقب لرابحة التي رمشت بعينيها عدة مرات متفاجئة من الاقتراح الذي شملَ مشاعر لطيفة لم تختبرها من قبل، لطالما كانت جدتها هي صديقتها الوحيدة، والآن هي على وشك أن تحظى بأخرى!

تملّكَ منها الارتباك ولم تجد ما تقوله سوى جملة مقتضبة حملت داخلها مشاعر مكتومة

-بالطبع سنكون أصدقاء

وجدت نهاد مازالت تتابع باقي جملتها التي انتهت بالنسبة لها بشغف كبير، فتوتر فمها وهي تُكمل

-جيدين... سنكون أصدقاء جيدين

شعرت نهاد أنه ربما هذا سيكون كافيًا أن يكون لها حليفًا في بيت الرعب هذا، وبجانب عُدي رابحة ليست شخصًا يُستهان به أو يتم تهميش كلامه أو أفعاله، فرغم أنها لم تعرف لم هي محبوسة لكن استنتاجها أوصلها أنه لم يكن أمرًا هينًا .. أبدًا

-حسنًا يا رابحة أطلت عليكِ .. سأتركك الآن ولكن لا تقلقي سآتي إليكِ كثيرًا

انحنت نهاد لتحتضنها ثم استقامت في وقفتها مع ابتسامة لطيفة واتجهت ناحية الباب، لتوقفها رابحة بنطقها لاسمها

-نهاد... أنتِ رائعة مثل البطة والكثيرات يفتقرن لجسد به منحنيات مثلك، فقط لو أردتِ بضعة تمارين أو نظام أكل صحي وستصبحين بجسد صحي... لكنكِ الآن جميلة أيضًا ولديكِ وجنتين ناضجتين لو كنت مكان عدي لما تركتهما

تضرجت وجنتي نهاد بالحُمرة وانبجست ابتسامة خجل على شفتيها، سرعان ما تحولت لضحكة طفيفة أتبعتها بقولها

-شكرًا لكِ يا رابحة أنتِ حقًا فتاة نقية وجميلة... لقد أحببتك

فكرت رابحة وهي تتوجه ناحية الباب أن تلك المرأة هشة، ضعيفة تجاه الحب، وتميل إلى السلم دائمًا، تُخفي داخلها قوة لكنها لا تعرف كيف تُخرجها بشكلها الصحيح... وستكون أكثر من سعيدة لو علّمتها كيف تُخرجها

فتحت الباب وأول ما وجدته هو عدي ذو الوجه القلق، والعين الحائرة التي كانت تبحث عنها، ومن فرط تخبطه لم يدرِ بنفسه إلا وهو يهتف بعصبية

-نهاااااد

**********

بين أروقة العشق تائهة..

لا أهتدي سوى بنورك، و لا يدًا تقودني إلا يدك!

فدلني على الطريق .. أنا ضائعة

.................

دخلت الغرفة بصخب غير معتاد، لكنه غير ملحوظ، فاغلاقها للباب بقوة نسبية، ووجهها المكفهر كان علامة على غضبها الشديد

وكيف لا تغضب وهي للتو أدركت كم هي مُغفلة، تغرق في العسل غير مُنتبهه للزوجته وأنها لن تستطيع التجديف... فحركتها لن تزيدها إلا طمسًا داخله

قضمت شفتيها بقوة وهي تتذكر ما حدث في الأسفل عندما خرجت من المطبخ ومرت في الطرقة الواسعة لتسمع صوت فراس من إحدى الغرف، لم يكن سيشغلها في البداية لكن إشارته لاسمها في وسط الكلام بنبرة خفيضة، حثيثه جعلت حواسها تنتبه وتستدير عائدة نحو الغرفة، ترهف السمع إلى حديث فراس

"لا أستطيع أن أخبرها يا جدتي .. لا أستطيع!! هل أخبرها أن سالم سيتزوج إن لم تُنجب الولد"

طنت الجملة في أذنها للمرأة التي لا تعرف عددها، وبتلقائية شديدة وضعت يدها على بطنها المكور ولمستها بشرود ودمعة حارقة انسلت من مُقلتيها دون وعي أشعرتها بمزيجي الذُل والهوان!!

ما يُحزنها ويُصيب قلبها بالكآبة هو أن سالم يفعلها، لو لم تُنجب له الولد تلك المرة سيتزوج عليها ولن يأخذ خاطرها في الاعتبار، يُحبها، بل يعشقها وهي بالمثل تُبادله ، وفي المنتصف كلمة " لكن" تُهدد بسقوط أبراج الهوى العالية!، فالعادات عند سالم تسير داخله مجرى الدم، يأكلها مع طعام الإفطار ويتجرعها مع شاي الغداء... لذا ففرصتها تلك المرة تعتمد على ما بداخلها إن كان ولدًا أو بنتًا هي ما ستُحدد بقاء سالم معها، لأنها لن تحتمل أن يتزوج عليها ويُقسم الأيام بينهما، ولو رأى أنها أنانية ستُصر على طلب الطلاق حتى لو عاندها الجميع..

تشعر أنها تهوي من فوق جبلٍ شاهق والرامي لم يكن إلا من ائتمنته!!

وفي خضم شرودها لم تشعر بسالم الذي دخلَ الغرفة واحتضنها من الخلف بقوة، ومقبلاً لوجنتها هامسًا بلُطف

-اشتقت إليكِ يا حبيبتي وأم ابني

تنفست الصعداء حالما ابتعدَ عنها واتجه ناحية الخزانة وبدأ في تغيير ملابسه، جسدها يرتج من لمسته التلقائية وكاد يخذلها في لحظاتِ قليلة إلا أنها تذكرت جُملة فراس مرة أخرى فاستجمعت شتاتها ثانيةً

هتفَ سالم وهو يضجع على الفراش بتعب واضح، ويضع يديه خلف رأسه

-سيصيبني الذهول مما حدث كيف لتجار يعملون مع والدك كل تلك السنوات أن يمتنعوا عنه فجأة، بل ويعادونه أيضًا... لقد استغرق الأمر اليوم بطوله ولم نحصل على طرف خيطٍ حتى، كلها أحاديث واهية لا تملأ عقول أصحاب العمل

تنهدَ بثقل ثم ربت على الفراش بجانبه لتأتي

-أريد النوم قليلاً قبل أن يتصل بي والدك ونبدأ في وصلة أخرى ليس لها أخر.... بدور؟

نطقَ اسمها بعدما وجدها شاردة لكنها لم ترد عليه واكتفت بجمود وجهها الجديد عليه، قطبَ حاجبيه وقامَ من موضعه واتجه صوبها حتى وقفَ أمامها، أمسكَ بذراعها يقربها منه أكثر، وأردف بحنو يخصّها به فقط

-ما بكِ يا حبيبتي؟ أراكِ منشغلة اليوم عني بأفكارك، هل حدث شيء؟

نفضت ذراعه واستدارت حتى واجه جانب وجهها وقالت بنبرة عصبية

-اذهب وقلها للتي ستتزوجها إن لم أنجب لك ولدًا واتركني بحالي

ردَّ عليها بانزعاج وهو يديرها إليه ليقابل وجهها

-ما الذي تهذين به؟ ومن أخبركِ بهذا الكلام؟!!!!

كزت على أسنانها وهتفت بصراخ وهي تضرب كتفه المتحجر

-كل ما همك هو هذا!؟ من أخبرني!!... ألم تحسب حسابًا لمشاعري أو لحبي الذي يتدفق عليك بلا مقابل، في النهاية يكون جزائي أن تتزوج عليّ وتخبرني أنني أهذي؟

رمقها بتشتت قبل أن يطوق ملامحه الاقتضاب، ودون أن يُبدي أي اعتذارًا لحرقتها أردف وهو يجذبها أكثر نحوه

-ستخبرينني الآن من أين عرفتِ هذا الحديث واللعنة... لا تختبري صبري يا بدور لأنكِ تعرفين ما سيؤول إليه الأمر

أفلتت ذراعها منه وأجهشت بالبكاء، تعتصر يديها بقوة وتنظر له بأعين راجية أن ينفي الخبر أو حتى يُطمئنها، وبعد صمتٍ وجيز كانت تنتحب وهي تتحدث بتقطع بينما تضع يدها على فمها من لذاعة الإدراك

-أنت حتى لم تنفي القول، الأمر بالنسبة إليك مُسلّمًا به وسيحدث عاجلاً غير آجل..

نظرت له وهي على نار انتظار تحتلها من اجل ان يرهف سمعها بنفي لما تقول، لم تجد منه أي نفي فتابعت بنبرة اختلت بالوجع:

_أنت فقط تنتظر إلى أن أضع المولود وترى جنسه ثم تقرر إن كنت ستتزوج عليّ أم لا...

بترت الحديث ؛ أغمضت عينيها وداخلها سقوط؛ داخلها حطام ، هي هنا منتهية وبلا رجعة ربما؛ سقطت على اقرب مقعد قريب منها متابعة وعينيها مغيبة؛ عينيها شاردة في حديث الحب و الهوى، والان هاهي مستيقظة بين انقاض كذبة ظنت هي انها واقع:

_ أهنتِ عليك لدرجة أن تستبدلني بأخرى؟؟ كلامك عن الحب وأشعارك عن عاطفتك نحوي كلها كانت سراب سجنتني به حتى لا أطالب بأي حقٍ من حقوقي؟

سمرّته نبرة القهر المُدججة بأملٍ خائب ورجاء يكمن بين طيات حروفها التائهة ، كانت نظراتها الزائغة تتخبط في جوانب الغرفة فاستغلَ حالتها و على حين غرة جذبها نحوه بعنفوان رجولي حتى أصبحت أسيرة ذراعيه، تتحرك بعشوائية لتنفلت منه ومهما تتحرك هو يحكمها جيدًا بيديه المكبلتين لخصرها

اخشوشن صوته وهو يقول ببحة

-لا أعرف من أخبركِ هذا الحديث الذي لم يخرج من لساني قط، ولا أدري لم أنتِ ثائرة كل هذا الحد ولم يحدث شيء بعد!!.. لم كل هذا النكد يا بدري

اتسعت عينيها من وقاحته المفرطة وصرخت وهي تحاول التملص منه

-ابتعد عني يا سالم لا أطيقك في هذه اللحظة، تخبرني أن أهدأ بينما أنت تخطط للزواج من خلفي وأنا الساذجة هنا أنتظرك كل ليلة غافلة عن مخططك ....

صمتت وهلة بينما هو بدا جامدًا لم تظهر عليه أي ردة فعل سوى مراقبته لها، فاستطردت بشراسة غير معهودة ودفاعٍ واهٍ

-أتعلم أنا أريدها أن تصبح فتاة حتى أتخلص منك

سبَّ في سره من أوصلَ لها الكلام وعضَ على شفتيه حانقًا من هول ما قالت، لولا أنه قبضَ أعصابه في آخر لحظة لكانت ستتمنى حقًا التخلص منه، أفلتها بغتة ليختل توازنها وكادت تقع لولا أن يده استقبلت خصرها مرة أخرى، وراحت أصابعه تبني ملاذًا حول ظهرها فأصبحت محاصرة في حصن بدايته صدره ونهايته ذراعيه

أردفَ بنبرة خبيثة وابتسامة ماكرة

-أرأيتِ... أنا أحاوطك من جميع الجهات لا نية لكِ في الخلاص مني ... لن تقدري على تخطي حواجزي وحصوني يا بدري

أسبلت جفنيها بمرارة شديدة آزرها فيها تعلُّق الدمع بأهدابها، وأطرقت برأسها هاتفة بحزن بعد كلامه المعسول الواثق

-لأنني أحبك يا سالم وأفعل ما تقوله ضمنت أنني لن أتخلى ولن أترك.. لهذا أصبحت تفعل ما تشاء دون حساب أي خاطر لمشاعري أو هذا الحب الذي كنت تتغنى به واتفقنا على أن يظللنا سويًا.. بسببك أنت ابتعدت عن الجميع حتى كرست حياتي إليك وفي النهاية لا تتنازل حتى وتبرر... أعتقد أنني كنت محطة في حياتك لا أكثر..

بدأت تبكي مع نهاية كلامها لما شعرت به من هوان وحسرة على الحب الذي سكن قلبها ولم تستطل حباله حتى يصل إلى قلبه هو، لطالما أحبته وأرادت راحته لكنه في أول فرصة رماها .... بئس هذا الحب

زفرَ بثقل شديد جاثم من هذا الحوار العقيم الذي فُتح من أينما حقد أرادَ التفريق بينهما، والأنكى أنه جاء متعبًا من الخارج ولم ينقصه سوى هذا النواح الذي لا دليل له من حدوث شيء، فلم يجد بدًا سوى من اسكاتها بطريقته، في معانقة للشفاه يشعر في كل مرة أنها عذرية، بتشتتها وتخبطها بين يديه، وهو المعلم الذي بدونه لا تهتدي..

وبعد مدة كانت هي في خضم تبعثرها الحسي وهو يتمسك بأخر ذرة صبرٍ له

-بدور حبيبتي سأمرر لكِ كلامك المُجحف عن حبي لكِ لأنكِ لستِ في وعيك وأقدر أنكِ مجروحة لكن رغبتي في أن أكون أبًا لولد هو شيء مفروغ منه ولقد تناقشنا فيه قبل الزواج، وحديثك هذا الذي لا أعرف من أخبركِ به أو ألفتيه من عقلك في النهاية لا يستند على دليل قاطع، فهل ترينني الآن في خيمة أمسك يد إحداهن وحولنا الزرغايد؟ ...

نطقت دون استيعاب وهي تراه يقلب الأمر لصالحه

-لكنك تفعلها لو لم يكن المولود ولدًا يا سالم

شددَ من احتضانها وقالَ موضحًا وعينيه تسلبان اهتمام عينيها

-سيكون ولدًا أنا أعرف ذلك وأشعر به في رحمك ... هذا الولد سيكون من صلب سالم الهاشمي الذي لا يُقهر، سارق قلوب الفتيات والمأخوذ بمشورته في كل مجلس.. ولدنا لن يكون عاديًا يا بدور.. أول حفيد ذكر لحفيد كامل الهاشمي

هالها ما رأت في وجهه من عاطفة مُنتظرة تجاه طفلهما، أصابعه التي تلمست بطنها بحذرٍ شديد بينما يتحدث أسكتتها وجعلتها غير قادرة على تجرع كم المشاعر التي أغدقها بها للتو نحو طفلٍ لم يولد والشفقة نحوه لو لم يكن ولدًا!!

ونست نفسها!

نست أنها امرأة أمرها محتوم بالتخلي إذا كان المولود لا يتوافق مع أهواء زوجها

نست أنها أيضًا تمتلك فتاة والدها لا يراها إلا كل حينٍ مرة!

نست أو تناست لا فرقَ بين عقلٍ مُغلق تجاه الحقائق وقلبٍ يتبع الأهواء المُهلكة...

وهو لم يتوانَ عن سلب كل ما تملكه من حق التفكير، يُكبلها رافضًا أن تتمرد ولو حتى بشرود، يُغدقها بحنانٍ ثم يعود سالبًا إياها

متجبرٌ في قوله لكن طريقته حنون!

شراع سفينتها لا يتماشى مع عواصفه الرعدية

مثل صخرة ضعيفة لم تقدر على مواجهة الأمواج فامتزجَ فتاتها بها!

*******

كان عُدي يُمسك بذراعها بينما هي نظراتها تخبطيه لا تعي لم هو غاضب من الأساس، نجدها صوت رابحة وهي تتقدم منهما بثبات بعدما لاحظت التوتر النابع من عُدي

-أهلاً يا عدي، أردت أن أستقبلك استقبالاً أفضل من ذلك لكن بالتأكيد والدتك أخبرتك عمّا حلَّ بي...

كلام رابحة جعله يحوّل بصره إليها، منفصلاً لبعض الوقت من الأفكار المُدججة التي نخرت عقله عما حدث لزوجته، بصوتٍ أجش ونبرة لينة هتفَ

-نعم لقد عرفت وأنا سعيد بحريتك يا رابحة

ابتسمت له بدبلوماسية قائلة

-أنرت منزلك يا عدي.. أتمنى لك إقامة سعيدة لا ينغصها عليكم أحد

نظراتها التي حملت مغزى يُماثل حروفها المُتكئة عليها نبهته أنها ربما أخبرتها نهاد بشيء أو أنها من واقع حياتها هنا تعرف والدته، زفر بضيق يشوبه الشتات ثم حياها وأمسكَ يد نهاد مُتجهين نحو غرفتهما

تنهدت رابحة وهي تُناظر مكانهما الخالي، داعية الله أن يرزقهما السعادة وراحة البال.. مُتمنية أن يكون عُدي رجلاً بحق ولا يخسر نهاد مُستجيبًا لأفعال والدته، على الأقل يكون أحدهما ظفرَ بحياة سعيدة!!

كادت تغلق الباب الذي أطالت في الوقوف عنده لكنها لمحت سلطان في الممر المقابل لغرفتها يتأملها ويبدو أن كان واقفًا منذ مدة، رشقته بسهامها النارية وعسليتين مُدججتين بالشراسة، قبل أن يُخمد شظاياه نظراتها بغمزة وقحة من عينيه أصابتها برجفة لم تحدد بدايتها لكنها اكتنفت جسدها كله، ولم يكتفِ بل ألقى عليها ابتسامة ساحرة، عابثة قبل أن يرحل تاركًا إياها تقف مُتهدلة الكتفين بفاهٍ مفغور وعقل اُطيح بكل ذرات تعقله، لبثت دقائق وهي بتلك الحال، وعندما استفاقت دخلت غرفتها وأغلقت الباب ثم استندت عليه مُبتسمة ببلاهة، تشعر بشعور الفراشات التي تطير في معدتها وما ألذه!!

هدرت لنفسها بعنف وهي تستشعر غرابة ما تحس

-ألم يكفه ما فعل منذ قليل ليأتي ويتواقح أيضًا

داهمتها ذكرى لمسته المُتملكة لها، ونظراتها الآسرة، كلماته الخشنة ذو المعنى المعسول... حتى قُبلته التي أربكتها وأجهزت على برج رشادها الأخير، عادت تهمس لنفسها وهي تبتسم بخجل

-لكنه وسيم حقًا وأنا أحبه، هذا الوغد أنا أحبه وسأصبح زوجته لكن سأريه أولاً

ثم تمددت على فراشها وأغمضت عينيها فقط ابتسامة تجاوزت شفتيها حتى استقرت على ملامحها الفرحة

******

انتهى الفصل


You are reading the story above: TeenFic.Net