الفصل الأخير
.(ليس هناك خاتمة لأن المرحلة المتصلة من السلسلة لم تنتهي بعد.)
نعيب زماننا والعيب فينا ... وما لزماننا عيب سوانا" الإمام الشافعي.
غشّته عاصفة مظلمة بين غياهب ضبابها الغاشم تعزله عن ما حوله، مخلفاً المستشفى وراءه، وعقله يضج بكلمات.... لا! لم تكن كلمات بل سهام حادة، ومطعمة بسم قوي يشعر بنفاذه عبر شرايينه، فيسقيه الوجع حنظلا تغلي به دماؤه، ألم ...ألم لا يطاق! أمسك برأسه من شدة الوجع وتلك الكلمات لا تكف عن بث سمها بأعماق قلبه (دللت ابنتك وأفسدتها... ظلمت الأخرى وحرمتها من حقها... أنت ظالم ... كانت تراقبك من بعيد، تراقب حبك وعطفك على الأخرى ... كيف استطعت فعل ذلك؟) استند على سيارته ورفع يده ليفتح أول زرين من قميصه ثم تنفس مرات عدة، وهو يفكر بأنه لم يستطع الرد عليه، وماذا يقول له؟ إن كانت سياط ضميره تشتد مع مرور الوقت وتنهك صحته النفسية قبل الجسدية! لذا اكتفى بالصمت حتى أنهى الرجل ما لديه ثم فارق كرسيه ليجر خزيه بصمت فراراً من أشباح لم يعلم بأنها تتقدمه بعدما تنامت داخله، تقتات على تجاهله وأنانيته حتى باتت وحشا كبيرا على وشك بلعه. رفع رأسه إلى السماء يخفي لمعة مقلتيه، وزفر بعمق حرارة ما يجيش بأحشائه من نيران، يردد بفكره أكثر ما أثر به واستفحل بقلبه مثيراً كل ما ظن بأنه راكد من المشاعر (الفتاة الصغيرة توقفت عن النمو نفسيا تنتظر سكاكر والدها مع قبلة حانية على خدها، وضمة دافئة إلى صدره.) تلفت بمقلتيه في كل اتجاه ثم مسح وجهه قبل أن يسحب الهاتف من جيب سرواله، ويهاتف ابنته (مرحبا، أين أنت؟ في المستشفى! حسنا أنا خارج أسواره... سأعود أدراجي أريد رؤيتك، حسنا أنا قادم.) لمح إسماعيل عبوس وجه زوجته فاقترب منها وأمسك يدها، هامسا لها بحيرة (هل أنت بخير؟) ربتت على قبضته تبتسم له بتوتر (إنه أبي، لا أعلم! نبرة صوته متغيرة، على العموم أخبرني بأنه قرب المستشفى ويريد رؤيتي.) نظر إليها قائلاً بلطف (أنا مضطر لتركك، لدي مريض لا أستطيع التنصل من مقابلته، لا تدعي أي أمر يزعجك ...اتفقنا؟) أفترت شفتاها عن بسمة سعيدة، فمال عليها ليعانقها فاستجابت له بحب تضم نفسها إليه، وتصغي لهمسه الحنون قبل أن ينصرف من غرفة مكتبها (أراك لاحقا إن شاء الله... أحبك.) (وأنا أحبك.) نطقتها بسرعة فأومأ لها بينما يغلق باب الغرفة تصحبه بسمته الرائقة، والتي نسيها على ثغره حتى تجمدت حين صَدْمَتِهِ من حالة أحد مرضاه، وبالرغم من أناقته ببدلته ذات العلامة التجارية الفخمة، كفخامة المعطف فوقها إلا أن شحوب بشرته ونحول جسده حتى برزت عظام وجهه يكشفان عن مدى خطورة مرضه، وتعبه الشديد الذي يحاول إخفاءه بكبرياء، وهو يجلس باستقامة جذعه، ويضع رجلا على أخرى ملتحمتان ببعضهما من شدة نحولهما، وعلى قمة ركبتيه تستكين كفاه، باطن إحداهما على ظهر الأخرى. (أعتذر إليك دكتور، لا طاقة لي بالوقوف كي أصافحك، ولا أظنك تريد مصافحتي، والدليل ظاهر على محياك.) تمالك إسماعيل نفسه، واقترب منه يمد له يده لمصافحته بينما يرد عليه بود (الصدمة على وجهي لأنني لم أتوقع استسلامك للمرض، فأنت مقاتل شرس، وقاتلت الحياة بضراوة وشجاعة.) رمقه بتأثر يخص به طبيب النفوس دوناً عن غيره، يجيب وهو يضم كفه بكلتي كفيه (أنت قلتها يا دكتور، قاتلت الحياة... معركتي الآن مع الموت، ولا أحد ينتصر على الموت، لا أحد.) رفع إسماعيل كفه الحرة، وربت بها على كفيه الدافئتين بلطف، فتركه الأول ليجلس بالقرب منه بخلاف عادته باستعمال المقعد البعيد أمام المرضى (كيف حالك يا سيد غانم؟) ضم شفتيه كما ضم كفيه المرتعشتين، وهو يرد عليه بحزن (رائحة الموت تحيط بي يا دكتور، ولا يهمني سوى أمرين اثنين.) انتظره بصمت ليكمل، فاستطرد (كيف سيكون لقائي بربي؟! ثم شقيقتي التي لم أجدها بعد.) أومأ له بتفهم ثم خاطبه بلطف (أحسن الظن بالله ستجده عند ظنك به، أنا لم أكن متأكدا من عودتك حقيقة، وكنت أنوي الاتصال بك.) ما يزال الرجل على بسمته الحزينة وهو يجيبه (لا أعلم لماذا عدت؟! لكن شيئا ما يربطني بهذا المستشفى، كما أنني لا أستطيع الافتراق عن هذه الجبال رغم كل ما عشته فيها من عذاب، قررت أن أدفن تحت ترابها، وقد أُوفّق وأجد شقيقتي قبل أن تفيض روحي إلى بارئها.) هز إسماعيل رأسه، وقال له بهدوء (لا يهم سبب عودتك كما لا نعلم متى ستموت، فرغم خطورة مرضك ما قُدر لك من أيام لتحيياها ستكملها عن آخرها لا أقل ولا أكثر، وكذلك باقي البشر، أما شقيقتك، ادع الله ليحفظها أينما كان مكان وجودها.) عاجله قائلا بلهفة (لا يمر يوم أو صلاة دون أن أدعو الله بحفظها.) بتر كلماته والوجع ظاهر على محياه، فأكمل إسماعيل بود (ليس هذا فقط .. كيف حال ذاك الفتى؟) زم شفتيه بخفة يفكر لوهلة قبل أن يرد عليه (يجب أن يرى طبيبا نفسيا، لا أظنني لحقته قبل أن تنال منه بعض من بشاعة الدنيا، لكنه سينجو، بإذن الله سينجو.) ابتسم له إسماعيل بينما يهز رأسه موافقا، فاستطرد برجاء (أريد منك خدمة، وأتمنى أن لا ترُدني.) لمع الصدق في نظراته بينما يرد عليه بصدق (لو كان باستطاعتي، لن أتأخر..) شكره ثم تابع (لقد تركت وصية، ورتبت أموري، كما تعلم لدي أناس قريبين مني لكنهم ما يزالون قاصرين من ضمنهم شقيقتي إن وجدتها في حياتي أو بعد وفاتي، المجلس الإداري للمجموعة سيستمر على نفس منوال العمل بعد وفاتي إلى أن يستلم بعض من القريبين مني مناصبهم حين يكملون العشرين من عمرهم، ويستلمون حصصهم، شكلت لجنة من أناس أثق بهم، ليتابعوا سير الأعمال كل ثلاثة أشهر، ثم يحضرون حين موعد تسليم الحصص لأصحابها، وأتمنى أن تنضم إلى اللجنة.) انتظره بترقب تحول إلى ارتياح حين اتسعت بسمة إسماعيل يرد عليه بتأثر (أنا أشكرك على ثقتك بي وبالطبع يسعدني المشاركة في الخير الذي تفعله، هذا طبعا إن لم يسبق أجلي أجلك تقبل الله منك.) (آمين يا رب، بل أشكرك دكتور على موافقتك، سأرسل لك الأوراق مع المحامي غدا بإذن الله، ولتتفقا على الراتب.) قاطعه إسماعيل بعتاب (لا يا سيد غانم، شرطي الوحيد هو أن أفعل ذلك لله فقط.) حل عليهما الصمت بعد أن أومأ له بتفهم، فسأله إسماعيل بترقب (هل سامحته يا سيد غانم؟ أقصد شقيقك الكبير؟) رفع المعني رأسه مجفلا واكفهر وجهه النحيف للحظة وجيزة تحولت بعدها ملامحه إلى تفكير، وهو يجيبه (قد لا يصدقني أحد بعدما فعله بي، حتى نفسي قبل أن أصاب بالمرض.) تلكأ قليلا كأنه متردد ثم استدرك وهو ينظر إلى عينيه بنبرة أرعدت قلب إسماعيل (حين يكون المرء على شفا خطوة من الموت، وهو على معرفة أكيدة بذلك يسترخص كل شيء في الدنيا حتى الظلم.) ارتفعت زاوية فمه بتهكم، يكمل (ما كنت أحاول نسيانه طوال حياتي ولم أفلح أصبحت أنساه منذ أن أضحى الموت قريبا، قريبا جدا مني، وقد سبق وأخبرتك بما يهمني الآن.) تحدث إليه إسماعيل باستفسار (هل هذا يعني أنك تصالحت مع نفسك؟) تحولت بسمته إلى الهدوء، وهو يجيبه بتلقائية (كل ما أعرفه أنني لم أعد أذكر شيئا يتعلق بالدنيا، حتى لا وقت لدي لأذكر شيئا آخر خارج نطاق هدفيّ.) غيّر إسماعيل الموضوع كليا، يسأله باسما بمودة (أنت لم تخبرني باسم شقيقتك من قبل.) غزى الحنين تقاسيم وجهه التعب، وهو يجيبه بدفء (سُتْرَة آل منصور.)
***
(في نفس اللحظات)
(غرفة مكتب طائعة.)
لم تجلس خلف مكتبها بينما تنتظر أبيها بقلق ازداد حين لمحته مقبلا عليها بوجه شاحب، فأسرعت إليه تهتف دون أن تجرؤ على لمسه (هل أنت بخير؟ ما بك؟) تجمد مكانه يحدق بها، فقطبت بحيرة من سكونه الذي استمر للحظات حتى شهقت بصدمة، وهي تلمح دمعة تتدحرج فارة من أسرها تتبعها أخرى وأخرى، وحين همت بفتح فمها سحبها بين ذراعيه يضمها بقوة يائسة. شُلّت أطرافها، ذراعاها إلى جانبيها، وهي على صدره تتساءل عن خطبها! ألم يكن حلمها الأوحد أن يضمها والدها وتستشعر دفء وحنان أحضانه؟ لقد تخيلت ضمه لها عدد أيام حياتها، فلماذا تقف جامدة، وهو يطوقها بقوة تكاد تزهق أنفاسها؟! (سامحيني .... أنا! ... أنت! ...) انحسرت الكلمات في حلقه محرقة، وجارحة فبلع ريقه عسى أن ترحمه غصة قلبه فتخفف من وخز شوكها في حلقه ثم نطق بتقطع موجع (سامحيني يا بنتي، أنا ظالم.) عبست بدهشة، وهمساته المريرة تنفذ إلى قلبها فرفعت كفيها بتردد إلى أن أمسكت بجانبي ظهره، وحركت وجهها إلى أسفل عنقه تحاول شم رائحته كما كانت تفعل مع جديها حين كانت تتساءل إن كانت رائحة والدها مثلهما!؟ (أعلم بأنني لا أستحق صفحك، فكيف أحصل عليه ولم أنله من والدتك؟! ولن أناله أبداً!) رق قلبها لنبرته المتحشرجة، وارتعاد جسده فرفعت وجهها إليه لتجيبه بحنو (لكن أمي لم تحقد عليك.) منعها من الابتعاد عنه، وأعادها على صدره يطوقها بقوة بينما يخاطبها بنبرة متهدجة (لطالما كانت طيبة القلب لكنها تظل أنثى حتى إن أخفت عنك ألمها فذلك لا يعني أنها لم تكن تتألم، أنا ظلمتها بل ظلمتكما معا، غرتني الدنيا بفِتنها، ونسيت ما ينتظرني من حساب فلم أكن عادلا معكما، لا شيء يبرر أنانيتي... لا شيء! مهما عللت، وحاجَجْت، أبقى ظالما لك ولوالدتك.) تكومت ملامح وجهها بإشفاق، يضعفها تكومها في حضنه الذي يحيطها بدفئه الحاني مؤججاً أحاسيسها، فقالت له بلطف (أبي، من فضلك اهدأ! أنا لا أحمل عليك.) أبعدها قليلا، يبحث في ملامحها عن اليقين فيما نطقت به (هل أنتِ متأكدة؟ لقد ندمت أشد الندم بعد أن وثقتي بي، وأطعتني دون تردد لكنني لم أعرف كيف أتقرب منك، آلاف من الحواجز حالت بيني وبينك، حواجز أنا من بينيتها عبر الزمن فلم أدرِ كيف أهدمها.) انسلت من بين ذراعيه بخفة، تجيبه بحزن (لن أكذب عليك أبي، لقد آلمني هجرانك لي، وسؤال واحد يدور في خلدي، ما الذي ينقصني كابنة لك وحرمني منك، وكل من حولك يشهد بصلاحك!) رمقها بتوسل أوجع قلبها، فتنهدت تستدرك بأسى (لكنني أصبحت أفضل مؤخراً، وكنت أكتفي بوجودك في حياتي...لو فقط!) صمتت تحدق به فاقترب منها ليمسك بكفيها متسائلا (ماذا بنيتي؟ تحدثي!) ردت عليه بتوتر وخجل (لماذا طلبت مني الزواج من رجل أنت تعرف بأنه ... أنه ...أعني... صباح. ) رفع كفه ليسكتها، ودافع عن نفسه (اسمعيني طائعة، أنا حين فكرت بأبناء آل عيسى لم يكن المنصب هدفي لحاله، بل لأنهم على تربية صالحة وذوي نخوة ورجولة فريدة، ومن صلب هذه الجبال فقررت كأي والد يحب بناته ويكترث لمصلحتهن مصاهرتهم، وسعيت إلى تزويج صباح من إبراهيم، وأنت لإسماعيل لكنني أجلت أمرك إلى حين تأكدي من موقفك.) فغرت شفتيها بدهشة تحدق به فشد على كفيها مؤكدا (أقسم لك، كما فكرت بمصلحة صباح وسعيت لزواجٍ يناسبها، فكرت بك أيضا واخترت لك نسبا مثلها لكنني كنت أتريث لأنني لم أكن على يقين من موافقتك، وحين تهورت صباح ورفضت إبراهيم كنت متأكداً من أن آل عيسى لن يقبلوا بها مهما حدث كنة في منزلهم، ولو كان لدي ذرة شك في أن إسماعيل يبادلها مشاعرها أو حتى منحها بصيص أمل، ما كنت ورطتك يا بنتي، من فضلك صدقيني.) أمالت رأسها تبتسم له بحزن، وأمل يقاتل كي ينبثق من أحشائها بينما هو يكمل دون أن يفلت كفيها (أستحق كل ما قد تظنينه بي لكن أنا طلبت منك الزواج من إسماعيل لأنه مناسب لك، وأنت ستكتشفين ذلك وستنعمين بحياة مستقرة بإذن الله مع رجل حقيقي.) لم تشعر بنفسها وهي تبتسم بحب تألقت به مقلتاها، فتابع بحنو (أو لعلك تأكدتِ فعلا.) احمرت خجلا، فاتسعت بسمته أملا يقول لها وهو يربت على خدها (هل سيشفع لي ابن آل عيسى عند قلبك لكي يحنو على عجوز خاطئ.) رفعت يده وقبلت ظهرها ثم ردت عليه بلهفة، وقلبها يئن ألما من أجله غير قادرة على رؤية وجعه ودموعه التي طعنت قلبها (أبي، أرجوك لا تقل ذلك مجددًا، أنت أبي، والجميع يخطئ، وأحمد الله على أنك أخيرا بجانبي.) قبّل رأسها وقال لها بتأثر (رحم الله من رباك، من حظك أنني لم أكن أنا لكنتِ انتهيت مثل صباح، ذنبي الآخر.) ما تزال متشبثة بيده لا تدري ماذا تقول له بشأن صباح سوى أن تطمئنه بلطف (لا تقلق أبي! البروفيسور بارع في عمله وسيبذل كل ما في وسعه لعلاجها.) هز رأسه بتفهم يفكر ثم عقب بتردد (إذا صحّ وصفك، فعلي إحضار السكاكر.) قطبت جبينها بحيرة، فأكمل مُحرجا (هو قال لي؛ قبلة على خدك وضمة إلى صدري، وسكاكر، لم أفكر بالسكاكر لكن إذا كنت تحبينها سأحضرها.) ما لبثت أن فهمت قصده حتى خرجت منها ضحكة رنانة أدهشت والدها وزوجها الذي عاد لتوه، يسألها باسما بانبهار (ما الذي يضحك لهذه الدرجة؟) استدارا إليه، والحاج زكرياء يعقب مبتهجاً بسعادة ابنته (يبدو أن البروفيسور كما تقولون بارع في عمله بالفعل.) تمالكت طائعة نفسها، وزوجها يقف جوارها يصغي لتفسيرها دون أن يكلف نفسه عناء إخفاء اشتعال مقلتيه بالغيرة (البروفيسور ...أخبر أبي بأنني في حاجة إلى قبلة على الخد منه وضمة على صدره، وأن يحضر لي السكاكر، وأبي يتساءل ..إن كنت أحب السكاكر؟) عادت تضحك بمرح، فابتسم إسماعيل وقد فهم فحوى الحوار السابق قائلاً لحميه (أظن بأن طائعة قد كبرت عن السكاكر يا حاج.) (من قال ذلك؟) قاطعته تستنكر بعبوس طفولي أدهشه بينما والدها يبتسم بسرور حقيقي، مطمئنا على سير علاقتها بزوجها من خلال تفاهمهما الظاهر بمعاملتهما السّلسة (طبعا أحب السكاكر، ولعلمكما جدي أحمد ما يزال يحضرها لي معه كلما التقينا.) بلل شفتيه بينما يرمقها بغموض أخجلها فنطق والدها مستشعراً بعضاً من الراحة في صدره (لا عليك بنيتي، سأحضر لك كل أنواع السكاكر، فأنا أنوي زيارتك يومياً لأضمك إلى صدري، ولا أظنني سأكتفي.) ودعهما وانصرف على وعد بلقاء قريب، فسحبها زوجها يضمها على حين غفلة منها مغلقاً الباب خلف ظهرها ثم همس لها بنبرة لائمة (إذن والدك سيحضر لك السكاكر ويضمك يوميا! ألم يفض به وجع الذنب إلا حين أصبحت زوجتي؟) وضعت كفيها على صدره، تصغي إلى نبرته التي تحولت إلى توعد مازح (أظن أن الوقت قد حان للبروفيسور كي يعود إلى دياره، يكفي ما أحدثه من أضرار.) سايرته ترد عليه بمرح وهي تمسد على سترته (وما هي هذه الأضرار يا طبيب النفوس؟) ضيق مقلتيه وهو يجيبها (ألا يكفي أنني أتحمل حضوره المميز في قلبك لكي يضيف شخصا آخر يزاحمني في الأحضان والقبل على خدك.) صدرت عنها ضحكة رائقة مجدداً فتأكد له صدق وقوة عشقه لها هكذا؛ سعيدة هانئة ورائقة (،يا إلهي إسماعيل، أنت لم تكن هكذا أبداً.) اقترب بوجهه منها يهمس لها بتساؤل عابث (وكيف كنت يا ترى؟) أضحى وجهها قرمزياً بينما ترمقه بحياء اختلط بعشق خالص فخرجت نبرة صوتها مرتبكة بعض الشيء (كنت رزينا، باردا ... طبيب نفوس.) أومأ لها ونظراته تحاصرها بإحكام، لا تفلت تفاصيل ملامحها الحلوة في عينيه عن أي شيء لمحه من قبل (واشتعل قلب طبيب النفوس بنار العشق فانصهرت حناياه إلى حمم أذابت الجليد عن صدره، فأصبح يغار من والدٍ يريد تعويض ابنته عن سنين حرمانها منه، من يا ترى فعلت به هذا؟) توقفت عن التنفس وهي تتمتم بتأثر وتوتر (م...ن؟) همس قبل أن يضمها إلى صدره مؤكدا على شعوره المتملك نحوها (حبيبة قلبه، طائعة.)
***
(بعد شهر)
You are reading the story above: TeenFic.Net