#الفصل_السادس_والعشرون
اقترب منها اكرم بخطوات بطيئة .. وكانت تهابه وترتعد من نظراته الحادة فكانت تبتعد كلما اقترب ... حتى تعثر ظهرها باحدى المزهريات القديمة التي سقطت أرضا وتهشمت ... تركت جيهان المزهرية وأشارت له بتهديد وهي بداخلها ينتفض :
_ أنا بحذرك يا أكرم تقرب أو تفكر أنك ممكن تحبسني هنا .. مجرد ما يكتشفوا غيابي هيكون معروف مين السبب .. وهيعرفوا اني هنا
والتصق ظهرها بالحائط حتى تجمدت وهي تراه يقترب بنظراته الخطرة لها ... وقال قنبلته الموقوتة مبتسما بمكر شديد :
_ طب ما يعرفوا .. أنا عايز الكل يعرف أنك هتبقي .. مراتي.
اتسعت عينان جيهان وشهقت من الصدمة !..ثم رددت تلك الكلمة بذهول وهمهمة كأنها تؤكد لنفسها أنها سمعتها حقا، فهز أكرم رأسه مؤكدًا وعينيه تتسلى بصدمتها الواضحة وأكد قائلًا :
_ زي ما سمعتي كده بالضبط .. هتبقي مراتي ، وده مش طلب ، ده أمر ولازم يتنفذ.
اقتلعت جيهان نفسها من ذلك الجمود الذي أحاط بها وقالت برفض وعصبية :
_ وأنا مش جارية عندك ولا خدامة عشان تأمرني واجري انفذ كلامك !
وسخرت وهي تنظر لعيناه بتحدٍ وقوة قائلة :
_ ولا أنت فاكر نفسك عشان غني ومشهور أنك لؤطة وما تترفضش ..! ، لا فوق وشوف بتكلم مين ! .. أن كنت أنت غني فأنا عندي فلوس في البنك تعيشني وتعيش احفاد أحفادي ملوك .. يعني لا تهمني فلوسك ولا شهرتك ! ..
قبض أكرم بفبضته الشديدة على معصم يدها قائلًا بنفاد صبر وعصبية :
_ فلوسي وشهرتي اللي بتتكلمي عنهم دول أنا رميتهم ورا ضهري من زمان وسيبتهم للي زيك ومشيت .. أنا بأمرك تنفذي كلامي عشان تصلحي غلطك .. غلطة لما خليتي الصحافة تربط اسمك باسمي وتشهر بيا ،وغلطة أكبر لما ربطتي الولاد بيكي وخلتيهم يحبوكي .. لو مشيتي من هنا هيمشوا هما كمان واحد ورا واحد .. وأنا كنت سيبت الدنيا بحالها عشانهم ..
تألمت جيهان من قبضة القاسية على معصمها وقالت بحدة لتستفزه :
_ مش ذنبي أنهم حبوني .. ومش من الأنصاف والعدل أنهم عشان حبوني أبقى مضطرة أقبل أتجوز واحد زيك بكرهه وأعيش معاه في السجن ده ! ..
ولأول مرة تجد أكرم متجمدا يلتمع الحزن بعيناه وعلامات الكسرة والأنهزام على وجهه .. وشعرت بندم شديدة من كلماتها اللاذعة خصيصا عندما ابتعد عنها وارتقى الدرج مرةً أخرى بسرعة عالية .. وفجأة هتفت جيهان تناديه ليتوقف قائلة :
_ أستنى ..
لم يتوقف أكرم وتابع صعود السلم بخطوات غاضبة سريعة ، فهتفت بأنفعال :
_ قولتلك أستنى ..
ابطأ أكرم خطواته حتى توقف مرغما وصوت أنفاسه العالية يوحي بمدى غضبه، توترت جيهان وهي تمضي اليه في ارتباك وترقب ، وحينما صعدت عدة درجات وباتت خلفه وهو يواليها ظهره قالت بصوتٍ مضطرب :
_ أنا .. أنا ...
رد أكرم بغضب شديد وهو مواليا ظهره لها :
_ أنتي لو عايزة تمشي أتفضلي أمشي مش همنعك .. وأوعدك مش هتشوفي وشي تاني ..
شعرت جيهان بغصة مريرة بهذا التصريح ، وكأن يدا تقتلع قلبها من جذوره ! .. وقالت بارتباك:
_ أنا هفضل مع البنات لحد ما أشهاد صحتها تتحسن .. مش هقدر أسيبها في الحالة دي وأمشي ..
لم يرد عليها أكرم وظل ثابتا وحاجبًا عيناه عنها .. حتى اضافت جيهان :
_ بس محتاجة اعمل مكالمة ضروري .. عشان محدش يقلق من غيابي ويبلغ البوليس .. أنا سيبت تليفوني في شنطتي في العربية ، بس حافظة رقم وجيه.
قالت ذلك بتلقائية وكأنها تحدث نفسها، بينما استدار لها أكرم رغما عنه وعينيه تقدح شررا غاضب .. وتجمدت جيهان للحظة، ليس من شدة غضبه ، بينما من عيناه الحمراوين المغروقتان بالدموع !! ... أكان يبك؟! .. فتمتمت بدهشة :
_ دموع !
ويبدو أن ملاحظتها للحظة ضعفه وعذابه أثارت ثورته أكثر وغضبه ، فمسح عيناه بكبرياء ونظر لها قائلًا بشجاعة :
_ أنا حاولت كتير معاكي .. لكن أنتي مكنتيش مفهومة ولا قدرت أعرف أنتي عايزة إيه .. أو مين !، ولحد هنا وكفاية أوي !... أكتفيت.
ونظر لها أكرم أشرس نظرة عتاب طويلة رأتها بحياتها ثم أختفى من امامها صاعدًا إلى غرفته .. وظلت جيهان متيبسة الحركة من حديثه الأخير ، ماذا يعني ؟ .. كان يحاول كثيرا !! .. أي محاولة حاولها ؟!
شعرت جيهان فجأة بثقل في جسدها وجلست على احدى درجات السلم شاردةً .. تخاف أن يكون منحنى أفكارها في طريق آخر بعيدًا عن قوله .. أو أن قوله من الأساس كاذب ومخادع ! .. وأن كان صادقا ، فما هو محل خطيبته راندا من الأعراب !!!
______________________________
قضى زايد تلك الساعات الفائتة نائمًا بعد تلك النوبة الهستيرية من الغضب .. وعندما فتح عيناه ببطء وقعت عيناه على وجه فرحة التي تمرر يدها على رأسه برقة وعيناها الحمراوين من كثرة البكاء مليئة بالدموع ... ورغم ذلك مسحت عينيها سريعا وابتسمت له قائلة بشيء من المزاح :
_ صباح الخير .. مع أننا بالليل !.
ظل زايد ناظرا لها للحظات وقد عادت إليه ذكرى الموقف الأخير وتذكر ما حدث .. وعندما بدأ الالم يظهر على وجهه مرة أخرى أخذت فرحة رأسه وضمتها بكلا ذراعيها عند قلبها قائلة بهمس :
_ دي ست حقودة ولا يهمك منها ..
وانتبهت فرحة لدموعه وبكائه الصامت ، فرفعت عيناه اليها وعندما كادت أن تقول شيء قال زايد بعذاب ودموع نازفة :
_ أنا بريء .. والله بريء ، مقتلتهاش ...هي اللي ..
قاطعته فرحة وهي تمسح عينيه بمنتهى الحنان والحب وقالت :
_ أنا عرفت الحقيقة من الدكتور يا زايد ومصدقة أنك بريء .. مش مضطر تتكلم .. أنت وقتها من اللي حصل حسيت أنك السبب في موتها، أنت حملت نفسك فوق طاقتك عشان مقدرتش تنقذها .. لكن كلامك اتاخد ضدك وأتفهم غلط ..
أغمض زايد عينيه بألم شديد فقالت له فرحة بقوة وهي تحتوي وجهه الوسيم بين كفيها :
_ أنت بريء .. وكل اللي بيحبوك عارفين أنك بريء .. ومالكش أي ذنب في اللي حصل .. عايزاك تقف قدام الدنيا بحالها بالحقيقة دي ،ومتخافش هكون جانبك وهدافع عنك أكتر ما هتدافع عن نفسك ..
ابتسم زايد من بين دموعه وسألها بعتاب :
_ يعني مش هتطلقي زي ماكنتي عايزة وتسبيني؟
ابتسمت فرحة ونظرت له بمحبة وقالت :
_ أنا لو عايزة اتطلق وأسيبك كنت عملتها من زمان .. بس مقدرتش.
سألها زايد بلهفة :
_ ليه ..؟
اشتدت ابتسامة فرحة وهي تهمس بأذنه قائلة باعتراف :
_ عشان بحبك ..
وابتعدت عنه سريعا بضحكة عالية ، ونهض زايد وقد شقت الابتسامة ثغره وعرفت عيناه معنى السعادة الحقيقية وهو ينهض ويأخذها بين ذراعيه في أمان ... ثم نظر لعينيها عن قرب وقال بعشق :
_ اسمك زي قيمتك في عنيا .. فرحة ، فرحتي وحبيبتي .. ومراتي، أول مرة تقوليها يا فرحة .
وضعت فرحة يديها على صدره وقالت بابتسامة :
_ زهقت يا زايد من لعبة القط والفار اللي ما بينا ، ولما شوفتك في الحالة دي تاني للحظة حسيت أني هكون أغبى انسانة في الكون لو فضلت أعند معاك .. أنا معاك وجانبك وفي ضهرك ... وهفضل افكرك كل شوية أنك بريء .. ومستعدة أقف قدام الدنيا بحالها وأقول كده ..
سقطت دمعة من عينيه رغم ابتسامته وقال :
_ أول مرة أحس أني مش لوحدي وأن حد بيدافع عني ومصدقني وبيحبني بجد .. أول مرة أحس أني مستعد أواجهه اللي حصل زمان من غير ضعف ولا وجع ولا حتى غضب .. كنت بدخل في الحالة دي لأن الكل كان بيتهمني .. محدش دافع عني ولا مصدقني .. حتى اللي عارف أني بريء ... سكت !
ويبدو أنه يقصد بذلك والده .. الذي تحاشى الحديث عن هذا الأمر لسنوات دون أن يظهر براءة أبنه أمام زوجته ... فقالت فرحة وهي تمسح دموعه برقة :
_ أنا بقا مش هسكت لأي حد بيفكر يوجعك يا زايد .. ومش مستعدة أشوفك في الحالة دي تاني.
ضمها زايد لصدره وقال بابتسامة :
_ مش عارف لولا الحقنة اللي حقنتيني ليها كان ممكن اعمل إيه .. اكيد الدكتور اللي قالك ؟
أكدت فرحة وقالت :
_ دي الحقيقة .. أنا روحته كذا مرة ، وفي كل مرة كنت بفهم حالتك أكتر ،وفي آخر مرة روحتله قالي أنه قدر يوصل لجاركم في السكن القديم .. وراحله واتكلم معاه .. وعرف تفاصيل الحادثة منه ، ولما الدكتور حكالي اللي حصل كان ده دليل براءتك قدامي .. لكن أنا من جوايا كانت حاسة أنك بريء .. ولا يمكن تعمل كده.
تفاجأ زايد بكل تلك التفاصيل .. وعندما وجدته فرحة سيعود لتلك التعاسة وضعت يدها على جانب وجهه وقالت بابتسامة عاشقة :
_ أوعدك أول بنت لينا هنسميها على اسم والدتك .. بص للي جاي يا زايد .. اوعى حد يحاول يكسرك عشان يوجعك باللي فات ..
ربت زايد على يدها وعيناه تعانق عيناها بلهفة وقال :
_ حاسس أني مطمن .. والاحساس ده عمري ما حسيته في حياتي .. أنا بحبك أوي يا فرحة .. بحب كل تفاصيلك وعنادك حتى عصبيتك بموت فيها .. ولما ببصلك بحسك سندي ونصي التاني .. بحس بالونس ، وبحس أن في أمل في بكرا .. عشان خاطري خليكي دايمًا قريبة.
ابتسمت فرحة بزهو وقالت بثقة :
_ هفضل جانبك غصب عنك .. غصب عن سوسو وتوتو وصافي وماضيك النسائي المظلم .. مافيش غير فرافيرو .. فرحة .. اللي هو أنا يعني.
وضحكت فرحة بمشاكسة .. ولكن عيناه كانت ترغبان بشيئا آخر جعلها تحمر خجلًا بعد ذلك وقلبها ينبض بعشق هذا الرجل ..
_______________________________
انتفضت سمر من فراشها على صوت هاتفها المحمول ... وقد ظنت أن الوقت لا زال باكرًا على العودة لعملها ، وبينما وهي تجيب على الهاتف بكسل ، قالت زميلتها منى على الخط :
_ تعالي بسرعة يا سمر ارجوكي .. دكتور أمجد سأل عنك ١٠٠ مرة .. ورافض ياخد علاجه وبيتهم المستشفى بالأهمال !!
دهشت سمر لوهلة حتى وقعت عيناها على ساعة الحائط بغرفة نومها ، فشهقت بفزع عندما وجدتها العاشرة مساءً ... وأغلقت الهاتف ولم تجيب حيث هبت من فراشها نحو الحمام لتأخذ دشا سريع قبل أن تستعد للذهاب ..
وابتسمت منى ابتسامة خفيفة وهي تغلق الاتصال زتعود لذلك المريض الغاضب رغم حالته البائسة وقالت له :
_ ارجوك أهدى .. أنا كلمتها وهتيجي ... وبعدين ما أنا موجودة مكانها وعملت اللازم كله .. يبقى فين الأهمال بقا !
نظرت له منى بخبث .. بينما تنفس أمجد بحدة وقال بعصبية :
_ مش عايزها .. ممرضة مش بتراعي شغلها يبقى الأفضل تفضل في بيتها!.
أخفت منى ابتسامتها وقالت بلطف دون أن تفصح له بالحقيقة متذكرة تنبيه الطبيب المختص :
_ هي الفترة اللي فاتت كانت صعبة عليها شوية يا دكتور .. أنا عارفة أن دكتور وجيه أمرها انها ما تتنقلش من جنبك .. بس أعذرها.
نظر أمجد لمنى وقال ببعض التيهة :
_ هو أنا كنت بعاملها أزاي قبل ما اعمل حادثة وأنسى كل شيء .. يعني كنت بتكلم معاها كويس ، ولا بتعصب عليها ؟
تذكرت منى مدى عشق أمجد لممرضته سمر .. وكيف كانت قصتهما ، فقالت بمراوغة:
_ ما أنتبهتش .. وعموما حضرتك كنت بتعامل الكل عادي ..
اغتاظ أمجد من إجابتها والتزم الصمت ، فأضافت منى بابتسامة :
_ بس أحب ااكد لحضرتك أنك محبوب جدًا من الكل .. وأولهم دكتور وجيه مدير المستشفى .. هو تقريبًا بيعتبرك زي أبنه.
ولاحظت منى أن أمجد شرد بعيناه للبعيد أشارة أن تصمت .. فتركته وأوصدت الباب خلفها بهدوء ..
وبعد مرور ساعة تقريبًا ..
أتت سمر وهي تركض بأقصى قوتها حتى دخلت المصعد وهي تلهث ، وبعد دقائق ركضت لغرفة أمجد دون حتى أن ترتدي زي الممرضات وعندما فتحت الباب أبعد عيناه عنها سريعا .. فابتسمت سمر وهي تغلق الباب خلفها .. وكادت أن تتحدث حتى نظر لها وقال بحدة وكأنه يطردها:
_ لو سمحتي، أنا طلبت ممرضة تانية غيرك ...
تفاجئت سمر لوهلة ، ثم قالت :
_ يعني ايه مش فاهمة ! .. هو أنت طالب دليفري وهتغيره ! ... أنا مش منقولة من هنا إلا بأمر دكتور وجيه ! .. يعني مش حضرتك يا دكتور اللي تطلب طالما شايفة شغلي!
ضيق عيناه عليها وقال بغيظ :
_ واضح انك شايفة شغلك ! ..
تنفست سمر بهدوء وقالت بإعتذار :
_ أنا أسفة .. كنت تعبانة جدا ومرهقة ومحستش بالوقت ..
رد عليها بعصبية :
_ أنتي طول الوقت عايزة تنامي .. كنتي بتنامي رغم وقت الدوا بتاعي وكنت بصحيكي بنفسي ... ولما رجعتي البيت ..
اكملت سمر عنه بضحكة مستفزة :
_ مالقيتش اللي يصحيني ...
وأشتدت ضحكتها عندما ظهر الغيظ أكثر على وجهه ... ثم قالت :
_ بعد أذنك هروح البس اليونيفورم وأجيلك .. متخافش مش هنام في أوضة اللبس ..
وضحكت وهي تنظر له نظرة أخيرة قبل ان تخرج من الغرفة ، ورغم غيظه منها ولكنه ابتسم ببطء .. وشيء مجهول وغامض يجذبه بجنون لتلك الفتاة ..
#سيد_القصر_الجنوبي
الفصل القادم ىوم الخميس بإذن الله ♥
ما تنسوش روايتي لها بقلبك شيء موجود في معرض القاهرة صالة 1 جناح A12
بدار مدينة الأدباء للنشر والتوزيع
ولحجز نسخة أون لاين على رقم:
رقم الحجز: 01121530961
You are reading the story above: TeenFic.Net