لو إستطعت إعادة أول لقاء جمعني بالبعض ، لأبتسمت لهم فقط ،وأكملت طريقي دون أن ألتفت.
# جيسون ستاثام .
أردتكَ حباً لا يستطيع الدهرُ أن ينالَ منه، فكنتَ من نال مني.
# أحلام مستغانمي.
...........................................
في مكان نذهب إليه لأول مرة ،كان ينام علي فراشه نوماً عميقاً ،حيث أنه عاد متأخرا إلي المنزل فقد أنهي عمله ثم ذهب مع بعض الأصدقاء للسهر يإحدي المقاهي، دخلت والدته الغرفة حتي توقظه ،ثم اتجهت نحو ستائر النافذة لتفتحها ، تضجر من ضوء الشمس الذي سرق النوم من عيناه ثم قال:
-ماما ،أنا جاي متأخر ،يا ريت تقفلي الشباك دا عايز أنام شوية قبل المستشفي.
ردت عليه والدته قائلة بنبرة حادة:
-قوم يا أخرة صبري ،هو أنت مش قايل لي امبارح أقومك بدري علشان المؤتمر اللي في أسوان دا..؟
ما أن استمع لتلك الكلمات هب واقفا من مكانه،ثم أخذ المنشفة الخاصة به و ملابسه ثم ركض نحو دورة المياه، حتي يتحمم.
بعد ربع ساعة خرج من "الحمام" ثم اتجه نحو غرفته ليكمل ارتداء ملابسه ، قام بتمشيط شعره الأسود الناعم ،ثم تعطر بعطره المميز ،وارتدي ساعة يده ،والقي نظرة رضا علي نفسه ،ثم خرج نحو غرفة الطعام ليتناول الإفطار.
دخل غرفة الطعام فوجد والده كالعادة يترأس المائدة ويقرأ الجريدة ،بينما والدته كانت تصب القهوة في الفناجين الخاصة بها، وأخته الكبري كانت تتصفح هاتفها ،لفت نظر والده الذي قال له بنبرة ساخرة:
-صباح الخير يا فالح،قايم متأخر ليه ،مش قارفنا من شهر بالمؤتمر دا ...؟
-يا بابا نسيت خالص حوار المؤتمر دا، وبعدين كنت بقالي فترة مش بشوف الشباب ،فتقابلنا امبارح في الكافية.
-ماشي يا أخويا ،افطر بسرعة بقي علشان تلحق القطار .
ثم استطرد حديثه وهو ينظر بساعته قائلاً:
- باقي عشر دقايق ويتحرك، يعني يدوبك.
أجابه علي عُجالة من أمره :
-لأ ،أنت عارف مش بفطر ،هشرب كباية القهوة ،وهمشي علي طول، مع السلامة.
ثم أخذ هاتفه ومستلزماته وارتدي الحذاء خاصته ، وركب سيارته وقادها نحو محطة القطار.
كانت "رودينا" في ذات اللحظة تجلس علي رصيف القطار تنتظر وصول القطار الذي سيقلهم إلي أسوان،برحلة مدتها لا تتعدي ثلاثة عشر ساعة، كانت تمسك بيدها القرآن الكريم وتقرأ وردها اليومي ، أنهت قراءة الورد ،ثم قرأت سورة الإخلاص والمعوذتان ، جاء القطار الذي من المفترض أنهم سيركبوه،لفت نظرها أثناء ركوبها شيئين الأول رقم القطار الذي أعلن عن وصوله من قِبل إدارة المحطة، والثاني هو مجئ شاب يبدو عليه الوسامة و له "طلة مميزة"، وأصبحت الفتيات تتحدثن عنه وعن وسامته الطاغية ،لم تكترث لحديثهن كثيراً ثم ركبت القطار.
أخذت "رودينا" تبحث عن مقعدها ،ولم يكن القطار ملئ بالأشخاص ، فالوقت لايزال باكراً ، جلست على مقعدها وحمدت ربها أنه بجوار النافذة فهي تفضل التأمل في المناظر الطبيعية آثناء رحلاتها، جلست بجوارها صديقتها " شذي " التي قالت لها:
- شوفتي القمر اللي دخل علينا من شوية دا...؟!
ثم أستطردت حديثها وقد سيطرت عليها حالة من الهيام:
- البنات كلها كانت هتموت عليه،ريحة برفانه تجنن ، دي "......" من أحسن وأغلي الماركات العالمية.
-"شذي" ، مش لازم نجيب في سيرة أي شاب، خصوصاً إننا ما نعرفوش والمفروض نغض بصرنا علشان كدا حرام .
ثم أكملت بنبرة مرحة:
-واسكتي بقي ،علشان الحاجات دي بتيجي علي السيرة.
ضحكت الفتاتان سويا، وما أن همت "رودينا" أن تنظر من النافذة مرة أخري ، وجدته يأتي إليها ومن ثمَّ جلس بالمقعد المقابل لها ،ونظر لها بعيناه السوداء التي تشبه ديجور الليل ، ثم تحدث قائلا وهو يمد يده حتي يصافحها:
- "أحمد وجدي الشافعي " عندي ثمانية وعشرين سنة ودكتور أسنان ،ممكن نتعرف علي الأنسة..؟!
- أنا أسفة بجد أنا مش بسلم علي رجالة خالص ووو....
لم تسطع أن تكمل حديثها فصديقتها "شذي" قد صافحته بالنيابة عنها مما جعله يبتسم ،فظهرت أسنانه البيضاء الناصعة التي تشبه اللؤلؤ في نقائه .
-عادي ولا يهمك ،طب ممكن نتعرف طيب..؟
لم تُرد أن تحرجه للمرة الثانية فقالت له:
-أنا "رودينا مصطفي الأحمد" طالبة في الفرقة الرابعة من كلية علوم وفي طريقي إن شاء الله إني أكون معيدة في الكلية.
-برافو عليك بجد،إنك طموحه وعايزة تعملي حاجة.
ثم استرسل الحديث قائلاً:
-طب جاية المؤتمر ليه..؟!
-والله حضرتك ،أنا قولت تبقي فرصة إني أخذ شوية معلومات هتفيدني بعد كدا خصوصاً لو أكملت دراسات أو كدا ، وأهي تبقي نقطة في صفحة إنجازاتي بالكلية.
ابتسامه صغيرة لاحت علي ثغره تدل علي أعجابه بتفكيرها ومن ثمَّ عقب علي حديثها قائلاً:
-لأ ،بجد طريقة تفكيرك عجبتني جدا..
ثم أكمل بغطرسة قائلاً:
-مع إني ماحدش بيعجبني خالص ، وليا مقاييس معينة علشان أقدر أحكم علي الشخصية اللي قدامي،بس بجد هايل حاولي تستمري بقي .
أجابت علي هذا المغرور الجالس أمامها بنبره جامدة قائلة:
-هحاول حاضر إن شاء الله.
كاد "أحمد" أن يَرد عليها لكن كان للهاتف رأي أخر ،حيث جاءته مكالمة من والدته ،فاستئذن منها وذهب ليجيب علي والدته.
حمدت الله أنه غادر من أمامها ،فهو ذو تأثير قوي علي الفتيات بهذه الهيئة الخاطفة للأنفاس.
...........................................
أجاب "أحمد" علي والدته قائلاً:
- في ايه يا ماما،رن رن رن ، ايه بابا مات ،خير....؟
-بعد الشر عنه فال الله ولا فالك ، الموضوع إن طنط" سميحة" شافت لك عروسة إنما إيه قمر يا "أحمد" ،باباك شاف صورتها وقالي ابعتهالك يمكن توافق المرادي، البنت تبقي بنت طنط"ابتهال" جارتنا أيام البيت اللي كان في الحارة وتقريبا البنت كانت ولهانة من زمان يا مقطع قلوب العذارى.
أجابها بسخط علي حديثها:
-عروسة ايه يا ماما بس! أنا مش بفكر في دا دلوقتي ، وبعدين اتجوز واحدة أنتوا اللي تنقوها علشان تمشي علي مزاجكم ..؟!
ثم استرسل الحديث قائلاً:
-أنا هتجوز واحدة أنا اللي أختارها مش أنتم..أقفلي يا ماما أقفلي.
-ماشي يا أخرة صبري لما نشوف أخرتها.
قبل أن يغلق المكالمة استمع لأخر جملة قالتها فقال لها:
-استني يا ماما ،هي ايه حكاية أخرة صبري اللي مسكاها ليا من الصبح دي ، دا أنت مصحياني بيها ،روحي قوليها لبنتك البايرة...!
اعترضت علي حديثه عن طريق ما يُعرف "بالشهقة" ثم قالت له:
-بايرة ايه يا حبيبي،قطع لسان اللي يقول عليها كدا.. بكرة ييجي لها سيد الرجالة كلهم هي علشان عندها ثلاثةوثلاثين سنة تبقي بقت بايرة ،أقفل يا "احمد" أقفل، ما تعصبنيش...!
........................................
في الثامنة صباحاً ،استيقظ "لؤي" من نومه وتوضأ حتي يصلي صلاة الضحى ،وأخذ يدعي ربه أن يرزقه بالخير ويجعل معشوقته من نصيبه ،ما أن أنتهي من صلاته وجد أحداً يطرق علي باب الغرفة،أذن له بالدخول ،فوجدها شقيقته "رزان" التي جاءت لتخبره أنها بإنتظاره حتي يُوصِلهَا إلي عملها ،لثمَّ جبهتها ثم قال لها:
-تحت أمر سمو الأميرة"رزان القاضي" ، طب ممكن يا فندم أفطر حتي قبل ما أنزل عندي النهاردة شغل كتير.
ضحكت "رزان" ثم قالت له بنبرة حادة مصطنعة:
-لأ يا سيادة "الشوفير" مش ممكن و يا ريت توصلني بسرعة علشان عندي شغل كتير النهاردة أنا كمان .
عقب علي حديثها "لؤي" قائلاً بنبرة يستعطفها بها:
-أموت من الجوع يعني يا سمو الأميرة..؟!
أجابته بنبرة ضاحكة :
-لأ يا حبيبي ،بعد الشر عنك يا"لؤي" دا أنت دنيتي كلها ومقدرش أعيش من غيرك ،ربنا يبارك لي في عمرك،يلا نقوم نأكل.
ومن ثمّ اتجها نحو حجرة المائدة حتي يتناولا إفطارهما ،ثم يتجها نحو وجهتهما.
.........................................
بالقطار وتحديداً بالساعة الحادية عشر،كانت "رودينا" تفكر في طلب ابن خالتها فهي حتي الآن لا تعرف أتوافق أم ترفض، هي لا تنكر أنه كانت تَكِنُ له مشاعر في فترة مراهقاتها ،لكنها الأن أصبحت شابه وتفكيرها قد تغير تماماً ، فكرت كثيراً لكنها لم تشعر بنفسها ، إلا وهي غارقةبنومٍ عميق فهي لم تنم منذ البارحة حيث أنها قضت الليل بطوله تفكر في أمر المؤتمر.
كانت تسير بمنطقة مظلمة ،وجدت العديد من الذئاب التي تحاوطها وكان "لؤي" هو من يقودهم ، وكادوا أن يهجموا عليها ويمزقوها أرباً ،لكنها وجدت يد تُمد لها ،يد خفية لم تكن يد "لؤي" لكنها كانت يد شخص أخر ،لكنه لم يستطع مساعدتها ،فهجمت عليها الذئاب .
أفاقت "رودينا" من كبوسها علي صوت صديقتها التي كانت تحاول إيقاظها ،حيث أنها سمعتها تهمهم بكلمات غير مفهومة وكان وجهها يتصبب عرقاً ، فعلمت بالحال أنها ربما رأت كابوساً في نومها.
سألت "رودينا" صديقتها عن المدة المتبقية لوصولهم لأسوان:
-هو احنا فاضل لنا قد ايه ونوصل يا شذي..؟ ،أنا تعبت الصراحة.
-إن شاء الله بتاع ست ساعات كدا.
-يا الله،لسه ست ساعات كمان.
ثم أستطردت حديثها قائلة:
-طب هاتي يا بنتي كيس شيبسي من جنبك نقعد نتسلي فيه ، اه ،وكمان في ساندوتش جبنة رومي هاتيه بردو.
ناولتها "شذي" ما طلبته، فشكرتها "رودينا" ثم صدح صوت هاتفها ،فرأت مكالمة واردة من والدتها التي أخذت تطمئن عليها وتحدثت معها قليلا ،ثم أغلقت معها.
كان "أحمد" في ذلك الوقت يصب كامل تركيزه علي "رودينا" فلقد أُعجب بها منذ النظرة الأولي حتماً ،أعجب بطريقة تفكيرها ، ملابسها المحتشمة التي قلت في زمننا هذا وقد قرر في نفسه أنه عندما يعود من المؤتمر سيفاتح والدته ووالده في أمر خطبته منها.
..........................................
كان "لؤي" في ورشته الخاصة ،يقوم بعمل بعض التعديلات علي سيارة ما، وجد الصبي خاصته يجري إليه قائلاً بلهفة:
-بشمهندش ،في واحد باين عليه راجل مهم راكب عربية "......." أحدث موديل بيسأل عليك ،يبقول عايزك في شغل مهم.
جالت الأفكار في خاطر "لؤي" عن هوية هذا الرجل من يكون...! ثم حسم قراره قائلاً ل"مرسي" :
-دخله يا ابني ،ما نشوف مين دا..؟
-أمرك يا هندسة.
ثم خرج حتي يخبر الرجل بمقابلة "لؤي"،دخل رجل يبدو عليه الثراء يحمل بيده "سيجار كوبي" ويرتدي حُلة فخمة للغاية ، صافح "لؤي" ثم عرف نفسه قائلاً:
-"منير الدهشوري" صاحب سلسلة معارض بيع سيارات بس مش هنا في ألمانيا .
-أهلا وسهلا بحضرتك،تشرفت بمعرفتك ،ممكن أعرف سبب زيارتك ليا..؟
-شوف يا بشمهندس ،أنا بفتح فرع جديد للمعارض بتاعتي بس هيبقي في سويسرا ،أنا طبعا مش عايش هناك بس عايز حد يكون زي مساعد ليا يشتغل هناك،هوفر لك سكن كامل ، والطيارة علي حسابي كمان ، وليك فرصة كبيرة إنك هتشتغل في مصنع لتصنيع السيارات هناك ، ومرتبات خرافية بجد،دا غير شغلك معايا.
-طب وأهلي أنا هنا عايش مع والدتي وأختي وكمان والدي متوفي يعني مش هقدر أسيبهم هنا لوحدهم، وكمان أنا في بنت متقدم لها ،هسيب دا كله وأسافر ،حاسس إن دا صعب شوية..؟
-هي سنة واحدة بس ،تُظَّبِط نظامك هناك، وبعد كدا ممكن تأخد أي حد عايزة معاك،يعني ممكن تخطب البنت دي وتتجوزوا بعد سنة ، وتأخدها معاك ،قلت ايه..؟
-وأنا ايه يضمن لي أنك مش نصاب مثلاً.! ،عايز تعمل معايا الحوار دا وفي الأخر اطلع من المولد يلا حمص.
-والله بالعقل كدا دا أنت مهندس وذكي يعني ،أنا اللي جايلك وبطلب منك إنك تشتغل معايا ،وبعدين أنا اللي هديلك الفلوس ،ومُقدم كمان بمجرد ما نكتب العقد يعني أنت مش خسران حاجة خالص .
أخذ "لؤي" يفكر بالأمر من ناحية والدته وأخته الصغري ،ومن ناحية أخري معشوقته،كيف سيتركها عام كامل بدون زواج ،ثمّ تدارك الأمر أنه بذلك العمل سيصبح قادر علي مساعدتها في إكمال دراستها و مساعدة أخته في تجهيزها أيضاً ،أخذ قرار نهائي بشأن ذلك الأمر ،ثم أجاب الرجل الماثل أمامه قائلاً:
-أنا موافق.
.......................................
انتهي الفصل .
القطار ٢٠١.
# آلاء شريف.
You are reading the story above: TeenFic.Net