10.لَيتها لَم تُفكر.

Background color
Font
Font size
Line height

"أخاف أن أحبك جداً فأفتقدك ثم أتألم،
وأخاف أيضاً ألا أحبك فتضيع فرصة الحب فأندم،
أخبرني كيف أحبك بلا ألم ، وكيف لا أحبك بلا ندم".

لـِ نزار قباني.

"مؤلم أن تسير بجانب الحائط مبتعداً عن المشاكل؛
فيسقط عليك الحائط نفسه".

لـِ عبد الوهاب الرفاعي.

...........................................
وقفت "إيمان" من مجلسها ،ثم نظرت لأختها التي نحفت وتبدلت لأخرى ، كانت نظراتها خليط من الإشتياق والحزن،كادت أن تحتضنها،لكن "نجوي" ابتعدت بجسدها عنها ،ثم قالت لها بنبرة جامدة:

-دا كان قبل ما بنتك تعمل الـ عملته دا يا "إيمان"...!

-وأنا ذنبي ايه يا "نجوي"، ابنك زيه زي أي عريس ،اتقدم لبنت ورفضته،هي لو بنت غريبة،كنت هتقابلي مامتها كدا....؟!

أجابتها بنبرة حادة ومنفعلة:

-دي حاجة تانية ،أنتِ أختي وهي بنتك ،وأنتِ غلطانة لو كنت يوم ما قالك أنا طالب إيد "رودينا " قولتيله لأ انت ابن أختي وأنا خايفة علي مشاعرك ،وأنت عارفة إن بنتك هترفضه ،ما كنش علق نفسه بـ وهم ،لكن أنت قولتيله سبنا نفكر،وبعدين..!
ابني سابني وسافر وبنتك قاعدة معاكي عادي ولا علي بالها ،أنا عارفة إن ابني بيتواصل معاكي ،رغم الـ حصل ،بس أنا مش هقدر دلوقتي،علي الأقل لما أشوفه قدام عيني تاني.

نظرت لها بنظرة حزن،ولم تستطع أن ترد عليها ،هي أم متألمة من أجل ابنها،ولها الحق فيما تفعله ، ودعت "جيهان" ،وباركت لها مرة أخري،ثم أخذت ابنتها ورحلتا من المنزل.

بعد مغادرة"إيمان" جلست علي أقرب كرسي لها ،ثم أخذت تبكي ،علي ما وصلتا إليه من حال ،فقد مات والدهما عندما كانتا في أشد الحاجة له،وبالرغم من كبر سن "نجوي" عن شقيقتها ،إلا أن "إيمان" كانت تحتويها دائما وكأنها هي الكبيرة ،وبعد وفاة زوجها هي من ساعدتها في تربية ابنائها.

جلست "رزان" بجانبها ،ثم قالت:

-أنا يا ماما،لو أعرف إنك هتشوفوا بعض ،كنت خليتك برة شوية كمان،أنا كنت فكراها مشيت،وكمان حكاية إن احنا هنقعد شوية كمان دي ،لخبطتني أكتر.

ربتت "نجوي" علي فخذ ابنتها ،ثم قالت لها :

-عادي يا حبيبتي ،دا قدرومكتوب ،وأكيد كنا هنتقابل في أي حاجة ،المشكلة إني لسه مش مؤهلة إني أكلمها تاني عادي ،أنا عارفة إنها ملهاش ذنب ،ولا بنتها ،بس أنا بقول كدا من قهرتي علي ابني،قومِ يالا ،ادخلِ المطبخ وأنا جاية وراكي علشان نعمل العشا لجوز أختك وبنتها.
............................................
بعد عودتهما من منزل ابنة خالتها ،اتجهت والدتها نحو المرحاض ،توضأت ثم اتجهت نحو غرفتها ،ولم تتكلم ولو بكلمة واحدة،كانت "رودينا" تشعر بالقلق حيال ذلك ،فوالدتها مريضة السكري ،ومن أقل شئ يرتفع ، طرقت علي باب الغرفة ،فأذنت لها والدتها بالدخول التي كانت للتو أنهت صلاتها ، ومن ثم جلست علي الفراش الخاص بها استعداداً للنوم، جلست "رودينا" علي كرسي الـسرَّاحة"التسريحة" ،ثم نظرت لوالدتها مستفهمة عن سبب صمتها:

-ماما ،ما تقلقنيش عليكي،أنت من ساعة ما طلعنا من عند "جيهان" وأنت ساكته ما بتتكلميش،اعملي اي حاجة طيب ...!!

نظرت لها "إيمان" ثم انفجرت بالبكاء ،قائلة :

-شوفتي يا "رودينا" ما سلمتش عليا إزاي ،أنا قلبي وجعني أوي لما عملت كدا، دا احنا عمرنا ما اتفرقنا يوم ،يحصل لينا كدا..!

احتضنتها وأخذت تربت علي ظهرها قائلة بنبرة متحشرجة:

-أنا أسفة يا ماما، أنا عارفة إن دا بسببي،وبعدين هو مش "لؤي" وعدك إنه إن شاء الله لما يرجع هيصالحكم علي بعض ،خلاص بقي ،روقِ كدا علشان خاطري ، أنت بتتعبي علطول،أنت عايزة تعملي زي "مصطفي" وتسبيني أنت كمان...!!

-حاضر يا حبيبتي ،أنا هديت اهوه،ربنا يديني عمر لغاية ما أطمن عليك ،وبعد كدا يبقي يسترد أمانته عادي .

-يا ماما..!!

ابتسمت "إيمان" من بين دموعها ،ثم قبلت وجنتي ابنتها وضمتها لصدرها أكثر قائلة:

-قفلت بوقي اهوه،يالا ننام بقي ولا ايه...؟!

...............................................

بعد أن تناولوا العشاء ، ونامت والدتها ،وشقيقتها وزوجها،كانت "رزان" تتصفح أحد مواقع التواصل الاجتماعي ، وإذ بإشعار يدل علي تحديث من قِبل خطيبها ،فتحته ،فإذ به يرتدي زيه الرسمي ويمسك السلاح الخاص به،كانت الصورة منذ ثانيتين،لكنها كأنها منذ شهرين ،فالتعليقات قد انهالت علي المنشور وأغلبها فتيات، شعرت "رزان" أن رأسها علي وشك الاحتراق ،أو بالفعل كانت تحترق، جاءت برقمه ثم انتظرت الرد ،وبمجرد أن فتح الخط ،كانت قد انفجرت به كالبالون الممتلئ:

-ايه الحلاوة دي يا سيادة الرائد..!!
مش دا التعليق بتاع بنت عمك الملزقة الـِ كان عينها عليك...؟!

ابتسامه لاحت فوق ثغره ،لم تراها هي ،ثم قال بنبرة جاهد لتكون جادة:

-أنا والله نزلت البوست ،وما شوفتش التعليقات،وبعدين أنتِ بتغيرِ ولا إيه..؟!

أجابته بنبرة منزعجة:

-ايوه بغير يا "مازن" ،مش خطيبي ،وقريب إن شاء الله هتبقي جوزي،وامسح البنات الـِ عندك علي الأكونت دي.

أجابها بنبرة لينة :

-يا ماما الأكونت عام وأنا شخصية معروفة ،دول عاملين ليا فولو مش أكتر ،بصِ كل الـ أقدر عليه إني ما أردش عليهم ،مرضِ كدا يا دكترة ولا ايه...؟!

أجابته بمراوغة قائلة:

-والله ،لو بنت عمك السمجة دي عملتلها بلوك،هشوف كدا.

قهقه "مازن" بشدة ،ثم سعل بشكل خفيف قبل أن يقول لها:

-ولو ما عملتش هتعملي ايه..؟!

أجابته بدلال واضح:

-والله هكلم أخويا حبيبي ،أقوله يلغي الجوازة دي ،علشان أحنا ما عندناش بنات للجواز.

فزع من مرقده قائلاً بنبرة حادة مصطنعة:

-نعم يا أختي،بقولك ايه نتلم كدا ونهدي،ولا تحبي أوريكِ الوش بتاع يوم الجرح.؟!

-اسكت يا "مازن" ،يومها أنا قعدت أشتم فيك شتيمه ،يالا أنت تستاهل كل خير الصراحة ،وأبسط مثال إنك هتتجوزني.

رد بحبور قائلاً:

-دا كان أحلي يوم في حياتي،سيبك بقي من دا كله،أنا إن شاء الله ،بقول لما "لؤي" ييجي السنة دي ،نتجوز علطول،احنا مخطوبين اهوه ،والشقه جاهزة ،ومش فاضل غير شوية حاجات بسيطة،يعني مافيش مشكلة،قولتي ايه..؟!

هتفت بنبرة هادئة:

-أنت عارف يا "مازن" إن الحاجات دي مع "لؤي"،والـِ هيقوله هو الـِ هيمشي.

-أكيد يا باشا ،خلاص أبقي أكلمه كدا وأشوفه،صحيح أمي عزماكي بكرة علي الغدا،ومش عايزين أعذار.

أجابته بصدر رحب:

-حاضر يا "مازن" ،طنط دي حبيبتي أصلا،هقول لماما الصبح وهرد عليك بكرة ،تصبح علي خير.

ثم أنهت معه المكالمة ،وما همت أن تعتدل في جلستها ،لتأخذ وضعية النوم،جاءت عليها ابنة شقيقتها التي تنام معها بنفس الغرفة قائله:

-"روز" ،ممكن تنيميني جنبك..؟!

أفسحت لها "رزان" مكان بجوارها علي الفراش ،ثم قالت لها بنبرة بشوشه:

-تعالي يا قلب"روز" نامي في حضني يالا.

ثم لثمت وجنتيها ،وغطتها بالغطاء الثقيل ،ثم ذهبت كل منهما في سبات عميق،بعد أحداث اليوم الكثيرة والمثيرة أيضاً.
..........................................
باليوم التالي "يوم الجمعة" ،يوم يُولد به المرء من جديد،تستمع لقرآن الجمعة،والابتهالات الرائعة ،وبعد الصلاة تشاهد أحد البرامج الدينية ،وقراءة سورة الكهف التي تجعل لك نور بين الجمعتين ،واليوم ملئ بالصلاة علي خير الأنام،وعلي الجانب الإجتماعي ،فإنه اليوم الفاصل في الأسبوع لتجديد النشاط والطاقة لاستقبال الأسبوع الجديد بكل تفاؤل.

كان "وجدي" يجلس بغرفة المعيشة بعد صلاة الجمعة،ينتظر ولده الذي كالعادة يتأخر بالصلاة بدون سبب ،بعد نصف ساعة دخل "أحمد" إلي الغرفة ،والقي السلام علي والده ، نظر له "وجدي" ثم قال بنبرة جادة:

-بص يا ابني،والدتك إن شاء الله هي وأختك هيروحوا للبنت الـِ أنت عايزة تخطبها بكرة بعد العصر ،احنا عايزين حد نكلمه نعرفه ،مين ....؟!

أجابه "أحمد" وهو في حيرة من أمره:

-والله يا بابا ،هي والدها متوفي وعايشة مع والدتها،حتي أعرف إن كان لها ابن خاله ،بس مسافر دلوقتي ،ممكن بقي نتواصل مع عمها الوحيد بس دا عايش في اسكندرية.

-مش مشكلة ،هات رقمه وأنا أكلمه ونشوف رأيهم ،وإن كان كدا يروحوا الحد بلاش بكرة،لما عمها حتي يفاتحهم في الموضوع.

وقف "أحمد" من مكانة ،ثم قال لوالده وهو يتجه نحو السُلم المؤدي للطابق العلوي:

-حاضر يا بابا،هجيب رقمه من واحد صاحبي من إسكندرية،هو يعرفه.

............................................
بعد صلاة العصر ،ارتدت "رودينا" ملابسها المكونة من جيب باللون 'الأبيض' و تيشرت من خامة الصوف بنفس لون الجيب ، ثم ارتدت فوقهم بالطو من اللون 'الكحلي' ،فقد اتصلت بها "شذي" وأخبرتها أنها علي وشك الوصول ، ارتدت الحذاء الخاص بها وأخذت حقيبتها ثم نزلت،فوجدت "شذي" بإنتطارها بالأسفل،ركبا تاكسي ،ثم اتجهن نحو عيادة الطبيب النفسي.

بعد ساعة وربع تقريباً وصلتا حيث المكان المنشود،صعدا حيث العيادة،وكانت مكتظة بالمرضي، نعم ،فمن منا لا يعاني من مرض نفسي ،ولابد أن نجد له حل لكي لا يسبب لنا عوائق في حياتنا،خاصة لو كان في سن صغير أو سن المراهقه.

جلستا علي المقاعد حتي أتي دورهما،دخلتا إلي الطبيب،إذا به رجل في عمر الخمسون تقريبا،ضرب الشيب رأسه ،نظراته تدل علي فطنته وحكمته في حل الأمور،رحب بهما ثم استفهم عن سبب الزيارة،أجابته "شذي" التي أخذت تشرح له ما حدث مع والدها بالتفصيل الممل كما يقولون، بعد انتهائها ختمت الحديث قائلة:

-دلوقتي بقي يا دكتور احنا عايزين نعالجه من غير ما يعرف ،نعمل ايه..؟!

أجابها الطبيب بفطنة،وهو يشرح لها حالة والدها:

-بص يا أنسة "شذي" الـِ عند والدك دا نوع من الشعور بالذنب اسمه "الشعور الوجودي بالذنب"، بمعني أنه يتخيل إنه أذي حد أو ظلمه وهو في الحقيقة ماعملش كدا ،لإن دا كان قدر،زي بالضبط لما تبقي مع مجموعة من صحابك ولا قدر الله تعملوا حادثة وأنت الوحيدة مثلا الـِ تعيشِ،بتبقي حاسه بالذنب إنك لسه عايشة لكن هما ماتوا،مع إنك مالكيش أي دخل في الـِ حصل ،والدك كدا بقي بالضبط،هو حاسس إنه السبب في موت أخوكي علشان قاله ماشي ،مع إنه كدا كدا كان كُتب عند ربنا إنه هيموت كدا،يا ريت تكوني فهماني،بالنسبة بقي للعلاج للأسف لازم أشوفه،علشان أشخص الحالة صح،أنا دلوقتي بشخصها بناءً علي كلامك،لازم أتكلم مع المريض وجهاً لوجه.

نظرت لـِ"رودينا" ثم نظرت لـ الطبيب مرة أخري قائلة:

-بس يا دكتور والدي أصلا عصبي جدا،ولما أخويا مات زاد أكتر ،ومش هيرضي ييجي خالص ،أنا بجد مش عارفة أعمل ايه..؟! يعني مافيش أي حل تاني .؟!

أجابها بنبرة أسفة:

-للأسف لأ،ممكن تقنعوه،أو اتكلمي معاه في الموضوع بس وهو فايق ،وشوفي رد فعله كدا.

-حاضر يا دكتور ،شكرا لحضرتك ،عن أذنك .

-لأ شكر علي واجب ،اتفضلي.

خرجت "شذي" مع صديقتها ،وهي مهمومة،وكأن مشاكل العالم جميعها أصبحت فوق رأسها،ربتت "رودينا" علي كتفها،آثناء خروجهن من العيادة،قابلا "رائف" الذي استفهم عن سبب وجودهم هُنا قائلاً:

-"رودينا" ،"شذي" بتعملوا ايه هنا..؟!

أجابته "شذي" بعدما انتبهت له :

-عندنا مشكلة كدا ،وكنا جايين نحلها ،أنت بتعمل ايه هنا..؟!

-أنا والدي يبقي الدكتور"وائل العامري".

أجابته تلك المرة "رودينا" التي قالت بنبرة متحمسه :

-قول والله كدا ..؟!!

ضحك "رائف" علي طريقتها ثم قال لها:

-والله يا ستي ،بس ايه الـِ مفرحك أوي كدا...؟!

نظرت لها "شذي" أيضا مستفهمه عن سبب تلك الحماسة،نظرت لهما "رودينا" ثم قالت له:

-ولا حاجة ،مبسوطة إني شوفتك بس ،باي.

ودعها ،وهو لا يدري ما بها تلك البلهاء..؟!
أما هي فأمسكت بيد "شذي" ،كأنها تمسك بيد أختها الصغيرة ثم نظرت لها وقالت بلهفة:

-أنا فكرت ،وجاتلي فكرة جامدة.

استفهمت "شذي" عن الفكرة قائلة:

-ايه هي...؟!

اجابتها "رودينا" بنبرة متحمسة للغاية:

-أنا عرفت هنعالج والدك ازاي...؟!

اجابتها بنبرة ساخرة قائلة:

-إزاي بقي يا فالحة هانم..؟!

اجابتها "رودينا" وهي تعدل من ياقه ملابسها وكأنها اخترعت اختراع عالمي أو ماشابه:

-إنك تتجوزِ أنتِ و"رائف".

هتفت "شذي" بصوتاً عالي جعل كل من بالشارع ينظر لهما :

-نعم يا أختي..!!يا ريتك ما فكرتي..!!

انتهي الفصل.
القطار ٢٠١.

#آلاء شريف.

...............................................
التفاعل يا بنوتاتي ❤️
ومتابعة لبيدج الواتباد من فضلكم.

دمتم في حفظ الله ❤️


You are reading the story above: TeenFic.Net