النُّوتة العَاشرة؛ بذِكر الحَبيب.

Background color
Font
Font size
Line height


أصبَحت قصتنتا كالنّاي.. فارغة، مجوّفة، و صوتها حَزين.
❡....


ٱستيقظَ حاكم كوريَا و خاسر قَلبه، بعد أن قضَى ليالٍ مع الملوحة و  الأفكار المستفزّة.. تلك الأفكار الّتي يستمرُّ العقل بعرضها و تحليلها رغم أنّها قدرية و لا فائدة من تحليلها، يعرضها العقل بهدف الألم لا غير، و الخِداع لا أكثر.. هكذا استيقظ جنينه الهادئ بهالةٍ مخيفة.. بعد ليال طويلة في مخاض الألم و العذاب النفسي..

كان كل ما يتذوقه اتّفق على طعمين، المرارة و الملوحة.. تتساقطُ الذّكريات عليه في فجرٍ آخر دون جِيمِين.. شمسٌ أخرى تشرق و لا يشعرُ بها في داخلهِ.. أحاديث جِيمِين، ضحكاتُ جِيمِين، لمَسات جِيمِين.. كلّه فيضٌ بهٰذا الكائن.. و ذكريات تلك الكلمات تحط عليه كالنشوة.. بها الألم و بها المتعة

"مولايَ، رئيسُ الحرسِ يرغب بالحديث و الدّخول إليك" أعلنَ أحد الحُجبان الّذين عيّنهم سونغ إِنْ حفاظًا على الأمانِ و توخيًا للحذر، و ببرودٍ أضاء جنينهُ بكلمةٍ واحدة "أدخِله"

"أرى مولانا يتحضّر.. أينوي الخُروج؟" وضعَ جُونغكُوك معطفًا بقلنسوّة تغطّي ملامحه لتُظلمها أكثرَ.. هو بصدد الذّهاب إلى منزلِ تلك العجوز، لقد كانت كلماتها ترنّ بأذنيه في يقظته و أحلامهِ.. كيف تنبأت؟ كيفَ علمت بموتِ أحدهم؟

"أنا كَذلك، حضّروا لي جوادًا دون عربة، سأخرج بمُفردي.." هذا خَطر، أوّل ما لمع بعقل رئيس الحرس هو الرّفض "لكن مولاي-" أصمته جُونغكُوك قبل إتمام جملته، فوضع بحسبانه اللّحاق به دون ملاحظته.. معارضة الحاكم ليست قرارًا سليمًا الآن، عليه مداراته حتى مرور فترة.. لأنّه -يظنّ- أنّ الملك متأثّر فقط و مع مرور الوقت سيعبر هذه المرحلة.. لكنّه لا يعلم أبدًا أنّ هناك ما تحطّم بداخله للأبد

"ماذا عن القنّاص مولاي؟ لقد ٱستطعنا إحاطته قبل هروبه من السّرداب الَّذي أمرت بحراسته بذاتِ تلك اللّيلة" و كأن جيمين كان يعلم بهذا فنبّهه لحراسة السّرداب.. يوم يحمي فيه روحه من أن تموت عبثًا، لقد ظنه الرّئيس سيتحول لغاضب يبطش بذاك المتمرد و يبدأ التحقيق معه شخصيًّا.. لكن أن تصل بك الحال من الحزن و الألم، ألا تستطيع الحراك حتى بإيماءة بسيطة.. ثقل في قلبك و جبالُ الأرض تحط على صدرك، هذا منع الحاكم من التحول كما ظنّ المُقابل له، و بقي ساكنًا.. راكدًا كبركة لم يأتي يومًا أحد لزيارتها، و لم يخطو طفل و يجاري مياهها، وحيدة تمامًا.. متألمة بصمت

"خُذني إليه" للحظةٍ بدأ قلب الآخر يرتجف لكن تحفّظ عليه داخل صدره، لم يفهم لم قد تكون نبرة جُونغكُوك ترعبه هكذا.. ربّما لأنّه ٱعتاد نبرة نقيّة و بها الحِدّة، لا يحبطها البرود و الظّلام لهذا الحدّ.. بعد مضيّهما أخرج الحرّاس القنّاص أسفل وطأة السّماء الباهتة، بدا حاله مزريًا.. و مع ٱقتراب الحاكم منه بقلنسوّته تراجع أكثر "أخبرني و ٱشترِ حياتك.. الزّعيم وانغ. صَحِيح؟"

"أ، أجل! و، و مُستشاره.." تابع القنّاص بتلعثُم..

يظنّ ثأر الحاكم سيتحوّل لوانغ و مستشاره و يخرجُ منها سليمًا.. لكنّ أجزاء جسده انتفضت مع همس جُونغكُوك بقربه "و أنت"

عندما همّ الخائن رغبةً بالتّضرع ٱستدار جُونغكُوك لير جوادهُ الأسود قد وصلَ، و أعطى أمرًا أوقف توسّلات القنّاص بالغفران "قلتُ اشترِ حياتكَ، و أنا نبيلٌ. سأعطيكَ حياتك، و آخذ كلتا يديكَ من الكتف"

تهاوىٰ بأرضه، يرتجف بردًا و خوفًا معًا، و الغيوم بدأت تتزاحم مطلقةً شراراتها و رعدًا ينسكب بقلبه قبل السّماء.. "نفّذوا الأمر و إن أزعجكم خذوا لسانه أيضًا، أبقوه بسجن القلعةِ هنا، ثمّ ٱنطلقوا و حاصِروا قصر وانغ بمن فيه.. و اخلقوه من تحت الأرض لو هرب خلال الفترة الماضية نظرًا لعدم إعلان وفاتي.. أو عودة هذا القنّاص، ٱسجنوهم هناك و إيّاكم هرب حتّى عامل تافهٍ منكم حتّى عودتي، و.. أظنّ أنّك تعلم أنّه يتوجّب عليك قيادة هذه العمليّة بنفسك" أشار في آخر كلماته لرئيس الحَرس كي يضمن ألّا يلحق به.. فانحنى باستسلامٍ حتّى اختفى الحاكم عن مرآهُ..

تنهّد جيسُو بعد أن شاهد الحاكم عن بُعدٍ، لكنّه كان قلقًا من خروجه وحده هٰكذا و دون أيّ حراسة بعد محاولة لعمليّة اغتيال، فأوصى والدة جونغسيوك على ران الصّغيرة، و حضّر بعض السّلاح و ما قد يكفيه ليومينِ كونه لا يعلم كم سيطول طريقه، و استَلّ فرسًا متتبّعًا آثار سير جُونغكُوك..

---------

بَينمَا يقطع الحاكم المسافة لمنزل العجوز حيث أشارت إليه ذلك اليوم، شعر بشخص يلاحقه أسفل المطر.. تفضحه أصوات الحوافر كلما غرست في الأرض الطينية "من هناك؟"

ٱستلّ سيفه و رفع القلنسوّة التي تحميه من المطر، لكنّه سرعان ما استرخى عندما ظهر جيسو من خلف الأشجار.. "سيء جدًّا بالتتبع لو تعلم، لماذا لحقت بي إلى هنا؟"

"لم أشأ أن تذهب وحيدًا مولاي.. أيًّا كانت وِجهتك" مولاي، مولاي.. إلى متى سينادونه بهذا الٱسم؟ يكشطون الجرح مرارًا لكن قلبه لا يعارض بطريقة ما.. و إن كانت ذكرياتٍ مؤلمة، على الأقل هي لحبيبه.. هذا يكفيه للاحتفاظ بها

"عُد أدراجك للقلعة جيسُو، أنا آمرك بذٰلك" أراح السّيف بمغمده، ثمّ أعاد جواده لمتابعة الطّريق ظانًّا أنّه سيحظى بالمساحة التي يريد الآن.. لكن جيسو كان له رأيٌ آخر "إن أردت قتلي لمعارضتك فافعل.. لكنّني لن أعود و أتركك بهذا الحال وحدك سموّك"

"ماذا تعني بهذا الحال؟ تراني ضعيفًا لا أقوى على حماية نفسي؟" زفر الشّاب و اقترب أكثر.. يسكته بجملة واحدة تختصر الحديث أجمع "أنت ما بين المقاومة و الصّمود، و الاستسلام لأخذ راحة ممّا يحدث بداخلك"

و ربّما حين يعترضه أحد سيكون الطاغي هو ذاك الاستسلام.. و الرغبة بالرحيل لأجل اللقاء مجدّدًا، هو لن يخاطر.. لكن كم هو صعب أن تشاهد ألمك و لا تتمكن من إنهائه؟ إنه حاكم و على ظهره تستند شبه جزيرة بأكملها.. يوجع ألا تكون حقوقك لك، يوجع ألّا تكون قادرًا حتى على الرحيل..

"أزقة اليابان تصرخ هذه الأيام، تمّ إلقاء قنبلتين هناك.. و على حسب عِلمي فقد جنّ جنون العَالِمِ آينشتاين عِندَما لم يقبل الرئيس بإتلاف القنبلتين النوويتين مع ركود الحرب، بل استخدمها لتهديد اليابانيين كما لو يرغب ببدء حرب جديدة.."

حاول جيسو جاهدًا إعادته للواقع قليلاً، إعلامه بأخبار البلدان علّ حماس الحاكم فيه يعود، و قابله جُونغكُوك بالصمت.. يفكّر لو ما حدث صحيح فعلاً أم ضرب من خيال.. هل غطت أصوات الرعد على الانفجار فلم يسمعه؟ أم كانت صرخة يُتمه من جيمين أعلى من صرخات الأطفا و الأمهات في اليابان؟ و إن كان ذاك العالِم يدعو للسلام حقًّا لم وافق أساسًا على بعث رسالة يخبر بها الرئيس كيف يصنع حربًا أقوى و أشرس؟ أم أن الذنب ليس ذنبه و هو كالجميع يريد الحياة؟ كالجميع ما عداه.. "تبًّا للحُكم و الحكّام أجمع"

لم يكُن هناك فائدة، ما تحطّم قد تحطّم.. و يحتاج زمنًا حتى يغدو حطامًا جميلاً.. حيث تبني عليه الأعشاب و يغدو أثريًّا "ٱنتظرني هنا، سأدخل لبعض الوقت و أعود.. لا تلحق بي جيسو! إيّاك فعلها"

رضخ الشّاب هذه المرة منتظرًا على بُعد جيّد من المنزل المتآكل أمامه، جواد الحاكم إلى جانبه و هو يخطو دون إذنٍ لداخل المنزل.. كانت تلك آخر مرة لمحه بها..

كان الباب مفتوحًا كما لو يعلم من في الدّاخل بحضوره القريب، و رائحة العفونة أول ما استشعره أنف جُونغكُوك.. ثمّ صوت مُحشرج خرج بصدًى في المكان الخالي البارد "أهلاً بكَ مولانا العاشِق"

كيف؟ إنّه السؤال الوحيد الذي شغل ذهن الحاكم بينما يقطع المسافة نحو صوت العجوز المألوف، قلنسوّته تخفيه، و سيفه يمنحه لذة الأمان.. إنها هناك بالداخل، بذات لباسها الرديء و شعرها الأشعث "طالما تعرفين كلّ شيء، تعرفين لمَ أنا هنا أليس كذلك؟"

بلى تفعل، منظرها يدل على مشعوذة ما.. نتانتها و تلك الشموع الكثيرة دون مدفأة تقول مرحبًا بك في غرفة السحر الصغيرة.. لكنّ السؤال هنا تحوّل من كيف، إلى لماذا.. لماذا تدخّلت بحياتهم؟ "أتيت لتَكتشفني، لتفهم كيف لي بأن أعلم عن موت أحدكم"

نهضت في اللحظة التي طقطقت بها جميع عظام جسدها تقريبًا، تحرك كرسيًّا لتُجلس الحاكم و تأخذ عكّازها الغريب بيدها "كلّه يتكرر.. باتت هذه الحلقة المفرغة مملّة"

"ما هو الّذي يتكرر؟" رفض جُونغكُوك الجلوس، منزعجًا من صوتها المتقطّع و رائحة العفن في الأرجاء.. كما لو تعبر عن عفن روحها "الزّمن.. الزّمن يتكرّر برتابة شديدة يا مولاي"

"تعلمين أنّ بإمكاني أخذكِ الآن و جعلكِ عبرة للسحرة و المشعوذين أمثالك؟" في وقتٍ كان به السحر جريمة.. و من يودّ الانتقام من أحد و جعل حياته جحيمًا يشيع عنه أنّه ساحر و تحدث في حضرته أشياء غريبة..

"لست ساحرةً مولاي، إنّما مُختارة.. أنا أكفّر عن ذنب و أُبعد عنّي لعنة.. دعني أريك شيئًا" اقترب جُونغكُوك ممسكًا بسيفه باستعداد لأمان أكبر.. ليلحظ بركة خلف النافذة التي تشير إليها.. فخرجت نحوها و خرج هو خلفها، ربما -بالتأكيد- جيسو لا يستطيع أن يلمحه من هنا..

تسير كميّتٍ بأجرة ليعيش بضعة سنين أخرى، و هناك رفعت عكّازها الأقرب لعصًى.. وضعته في طرف البركة و حرّكته قليلاً أسفل المطر، فظهرت صورة الحاكم و جيمين بين أحضانه، في الوقت الذي أُطلق النّار عليهما..

"هكذا علمتُ" و كأنّ قولها سهلاً.. و كأنّ ما فعلته لا ريبة فيه، و كأنّ مشهد موت جيمين و الدّم الذي يتنافر منه لا يعني شيئًا.. كانت هادئة.. و هو يتألّم.

أراد الاستناد على سيفه، شاء ألّا ينهار مُجدَّدًا على منظره و هو يرجو جيمين ليهدأ و يتوقّف عن الحديث، حاول تجاهل المطر الَّذي يعشقه محبوبه، ثمّ رفع القلنسوّة لتندمج قطراته المالحة مع نقاء المطر علّ شيئًا منها يقنعه أنّه لا يبكي مُجدَّدًا، إنها الأمطار فقط لا أكثر.. الأمطار

"هناك ما هو مهمٌّ بما قاله هنا، استمع جَيِّدًا مولانا" مُستفزّة، مُنفّرة.. يودّ لو يقتلع لسانها من جوفها و يريح خبط قلبه "كيف تفعلين ذلك!!" و عنى كلّ شيءٍ، كيف تظهرين ماضٍ في بركة نتنة ؟ و كيف تتمكنين بلفظ الموت بهذه البساطة؟ كيف تعيدين الألم بعدما ثبطَ دون شعور؟

"ٱستمع مولاي! ها هو يقولها" تحدّثت و لازالتِ الحشرجةُ مرافقةً لصوتها، كما لو كان لا يسأل، ليس و كأنّه الحاكم هنا و لن يحدث شيء حتى لو أعلن عليها الحدّ بذات اللحظة..

فقط، أتمنى لو نلتقي في مكانٍ آخر .. في وقت آخر.. نعيش فيه كما كنّا نحلم في طفولتنا..‘

"كيف و لماذا ؟ إجابتهما واحدةٌ.. لأنَّني المُختارة مولانا، فهل تودّ تحقيق أمنية محبوبك الأخيرة؟" يهيّأ له أم أنّ صوتها أصبح أكثر راحة؟ ما هذا الكابوس الذي دخله فجأةً؟.. لقد فكّر كثيرًا بهذه العجوز أثناء اللّيالي السّابقة، لابدّ أنه يحلم بها الآن بعد أن غفى دون إرادة إلى جانب قبر جِيمِين و أسفل المطر صحيح؟ متى يستيقظ و هل يضرب نفسه؟

"لا تعتقد بأنّك تحلم، انظر مولانا فنحن لم ننتهِ بعد.." توقّفت دموعه أخيرًا، و لاحظ أنّه لازال واقفًا على قدميهِ، يقاوم بينما يخفي تعابيره على سطح البركة المموّجة "ما اللّعنة الَّتي تفعلين؟"

بعد أن تجاهلتْ سؤاله هذا قرّر حِفظ أسئلته الباقية لنفسه و المحافظة على أعصابه هادئةً.. لقد بدا له أنّها لن تردّ على أسئلته كما لو أنّها بديهيّة، غبيّة و غريبٌ أنّه يَطرحها.. بينما الغريبُ كلّه هو ما تفعله هي، عادت تحرّك عصاها على سطح البركة، لكن هذه المرّة لم يظهر ماضٍ.. بل ظهر مشهد غير مألوف، عالم بأكمله غريب عنه.. لكن شيء واحد لم يكن غريبًا فيه.. إنّه جِيمِين!


شركةُ J&M للأزيَاء، سِيول.

"أنا متحيّر حقًّا بشأن تشكيلة الشّتاء و الرّبيع لهذا العَام.. أرغب بشيءٍ فريد لفصلي المفضّل، إنه فصل الحُب و الموضة كما تعلمين لُورا" قلّب الأوراق بعشوائيّة على مكتبه حيث العديد من الرسومات و الأشرطة القماشية، بكامل الأناقة مع قميصه السّماويّ الخفيف، و بنطاله الأبيض.. يفكّر بتحضير ملابس الشّتاء قبل شهور من حلوله.. ربّما لأنه المدير و لديه هاجس العمل المستمر، أو لأنه الشّتاء المحبّب لقلبه

"هوّن عليك جِيمِينآه! لازال الوقت مبكرًا على تصميمها، كما أننا حققنا نجاحًا كبيرًا في تشكيلة الصيف و حضر للعرض العديد من المشاهير على مواقع التواصل، خذ وقتًا لتفرح بهذا النجاح على الأقل" تململت لورا في الكرسيّ المقابل له، و شعرها يحتوي الأقمشة و الخيوط كما لو أنها جزءٌ منه.. كانت مصممة فريدة و مجنونة، فلم يستطع جيمين ألّا يكسبها في شركته

"التطبيق لا يأخذ وقتًا مع إمكانيّات شركتنا.. لكنّني أخاف أن يَخذلني الإلهام، عليّ وضع فكرة برأسي عمّا سأرسمه على الأقل" أراح قبضته أسفل فكّه المرسوم، معلنًا بذلك تطبيقه لحديث لورا.. إنّه بحاجة للراحة و الاستمتاع بنجاحه لفترة..

عودة؛ بوسان العاصمَة.


ٱختفى المشهد من أمامه تاركًا عوالمًا من الصّدمة بداخلهِ، يحاولُ الحفاظ على ٱستقراره بَينمَا يجمع الأمور سويًّا و يحللها.. لقد كان جِيمِين حقًّا، عيناه و شفتاه و بشرته  الَّتي يكاد يشعر بنعومتها من النّظر فقط.. لكنّه لم يسأل، ٱنتقل لمرحلة أعلى من فهم ما يحدث، فهذا غير طبيعيّ و بالتّأكيد لا يمكن تفسيره..

"ما الّذي تودّين الوصول إليه بعد كلّ هذا ؟" برودة صوته عادت لترحّب بها أذنيّ العجوز بظهرها المحدّب، و لأوّل مرَّة تجيب سؤالاً له "مهمّتي هي جمعكما مُجدَّدًا مولانا.. يمكنني مساعدتك في أن تحقّق أمنية جِيمِين الأخيرة.. لأنّ ذلك قدرٌ، لأنّكما مقدّران لبعضكما البعض.. في هذا الزّمان و كل زمان"

لقد شعر بنبرتها شيء من الحُزن بينما تقول جملتها الأخيرة.. لكن أنَّا له التّركيز بها وسط هذا الجنون كلّه؟ يترك كلّ شيءٍ و يركّز بصوتها الحزين الآن و خلفه بركةٌ تظهر صورً متحركة؟ "أنَا لا أفهم شيئًا.."

"قرّر فقط يا مَولاي، و ستفهم عندما تدخل جدران الزّمن.. ستعرف كلّ شيءٍ أثناء محاولَتك.. خذ وقتكَ بالتّفكير، طريق منزلي تعرفه.." عادَت أدراجها نحو منزلها المهترئ، بَينمَا بقي وحيدًا يستجمع خيوط هذا اليوم العجيب، و يتنبّأ بأنّه لن ينام اللّيلة بسبب التّفكير المفرط بما حدث.. توقّف المطر و ظهرت أشعة الشمس من بين الغيوم فشعر الحاكمُ بالوعي أخيرًا، عاد نحو جواده و جيسو الّذي بدت عليه علامات الملل بينما يتناول ما جلبه من طعام، ثمّ طمره داخل الحقائب و نظّف فمه سريعًا فور لمحه لجُونغكوك

"ما الذي حدث مولايَ ؟ ما هٰذا المنزل الغريب الَّذي دخلته؟" لسببٍ ما شعر جُونغكُوك بالرّاحة مع وجود جيسُو هنا.. شخصٌ يخبره أنّه لازال عاقلاً و ما رآه حدث فعلاً ليس مجرّد هلوسات.. و من ناحية أخرى هو شخص يثق به بعد إذْ تمّ غدره، كما رأيه كموسوعة معلومات سيفيده "سأمنحكَ الثّقة و أخبرُك على طريقِ العودة، لٰكن لا تظن أنّني مجنون فأنا واعٍ تمامًا لما حدث.. و أريد رأيكَ بعدها"

*****

تضاربت أفكار جيسُو ما بين العالِم المثقف الذي يرفض ظهور مشاهدٍ في بركة، و بين المواطن الذي لا يستطيع أن يسخر ممّا يقوله حاكمه.. إلّا أنّه في النهاية استقرّ على كونه شبه صديق لجونغكوك، و حتى لو لم يعتبره جُونغكُوك كذلك، أراد مداراة حاله هذه

"هل عاد رئيس الحرسِ؟" لفظ الحَاكم سؤاله لأحد القائمين عند بوابة القلعة بعد أن وصلآ في لحظة توقف فيها المطر بإجازة ساعيّة.. في حين ردّ الحارس بصوت جهوريّ و انحناءة لم ير وجهه بعدها "لا مَولاي"

"لازال الوقتُ مبكرًا على وصوله و نجاح القبض عليهم و عودته لإعلامكُم مولاي" هذا الشّاب يحاول جهده إعادته لوعييه، يخاطر بمكانه كما لو يضحي بعنقه كي يعود جُونغكُوك حاكم شبه الجزيرة و واليها الّذي كان عليه.. "لا تقلق، لم أسأل عن غباءٍ بل لأنّنا نمتلك استراتيجيات معيّنة أنت لا تفهمها"

ترك جُونغكُوك جواده لمسؤولها و عاد لحجرته مجدّدًا، إنّ العالم من حوله لا يتقدم مهما خرج و مهما لاقى المزيد من الوجوه.. لازال يعود لنفس النقطة في كل يوم "لماذا لحقتني إلى هنا أيضًا؟ ألم تقُل بأنك ستفكر بما أخبرته لك عن تلك العجوز و تدلي برأيك بعدها؟"

جيسُو دسّ قدمه داخل حجرة الحاكم بعد أن كان واقفًا عند بابها، يراه يخلع قلنسوّته و يرتخي على الأرض بدلاً المساند العديدة حوله.. إنّه متعَب، متعب لدرجة حصر الأشخاص الذين لا يجب أن يظهر لهم تعبه، و جيسو لم يكن منهم.. "فكّرت"

"و ما الذي تعتقده؟" أغمض جُونغكُوك عيناه متكئًا على الجدار، و استنشق تنهيدة متعبة من الهواء الثقيل حوله ثمّ عاد لفتح عينيه مع بدء جيسو الحديث، يركز في نقطة واحدة فقط كما لو يرى شيئًا هناك

"أعتقد أنّك متعب.. مولاي أنَا لا أعني إهانة من أي نوع لكن ما رأيته لا تفسير له سوى أنّ عقلك بدأ يحاول تفسير الصّدمة التي وقعت عليه بشكل يتناسب مع كمية الألم التي تصيبك.. هل، هل كنت تحبُّه إلى هذا الحد؟"

ركع جيسُو إلى جانب الحاكم المسترخي على الأرض الباردة مستندًا بالجدار، و هو لازال يناظر عتبة الباب بأعين لامعة، ربما دموع، و ربّما شيء آخر تمامًا..  "أُحبّه؟ إنّ طيفه لا يغادرني جيسُو، و لا أريد أن يفعل.. سأعيش في كلّ مكانٍ عاش فيه.. القلعة، منزله القديم، و حتى تلك الأرض السهلية الواسعة إلى جانب المنزل حيث كنّا نلعب.. رغم أنّ هذه الأماكن ستحمل من الذكريات ما يؤلمني كلّ يوم، لكن لا أريد أن أتخلص منها أو أبتعد متحاشيًا نزف جروحي.. ألا يكفي أنّها له حتى أحتفظ بها؟ و هل أنا بسراب العشق الآن.. للحدِّ الذي أكاد فيه أن أرى طرف لباسه أمام عتبة مخدعي..؟" هناك حيث كان يحدّق

"هذا هو الأمرُ مولاي جُونغكُوك، هي حالة نفسيّة داخليّة.. فأنا بشكل خاص لا أؤمن بما وراء الطّبيعة، من خلق هذه الأمور يمكنه التحكم بها على وجه الكون، ولا أظن أنّ شخصًا كالعجوز التي وصفتها لي هي الخالق!" التمست نبرة جيسُو شيئًا من الحماس و السعادة لأن الحاكم شاركه مشاعره الخاصة، و من ناحية أخرى لأنّه تفاعل أخيرًا و تحدث دون اختصار كلامه، لأنّه ناداه جِيسو أيضًا، كما لو فعل شيئًا مميّزًا..

"و إن كان ما قالتهُ و رأيتهُ صحيح؟" كحاكم تعلّم ألّا يدع مجالاً للتّأكيد حول كلّ شيءٍ، فهو مقتنع نوعًا ما بثرثرة جيسُو حول علم النّفس و أنّها هلاوس تأتيه بسبب الصدمة، لكن لازالت أمامه فرصة لمقابلة جِيمِين مجدّدًا.. يمكنه أن يحتضنه و يغمره بشدّة، و لو لمرة أخيرة..

"أخبرتكَ مولاي أنا لا أؤمنُ بالسّحر، حتى لو ذهبت فلن يحدث شيء.. و لقطع الشك باليقين إذهب لها و جرّب، لن تخسر شيئًا لكن كن حذرًا ألا يكون فخًّا" لم ير جيسُو الشاب هذا بنفسه، بالتّأكيد لن يصدق أنها تعلم كل شيء و لا حاجةً لجلب الحراس معه... فاختصر حديثه مجدّدًا على كلمة واحدة بينما يبتسم بخفة لأجل طيف جيمين عند عتبة مخدعه "سأفعلُ"

ஓ.النُّوتةُ العاشرة ؛ تَمَّت ஓ

دخلنا الأجزاء الممتعة بالنسبة لي، و طبعًا ذا التشابتر و اللي قبله برعاية كلشي مهم للنهاية، مدري لو بتقدروا تحللوا التشابكات ذي بس يبقى الغموض حلو

و ذي أسئلة ممكن تساعدكم؛
العجوز تحديدًا ايش فهمتوا من كلامها ؟
برأيكم هي مجرد ساحرة أو سوّت شي سبّب لها لعنة و اضطرَّت لجمع جُونغكُوك و جيمين بعالم موازي؟

ممكن جُونغكُوك ينجح بتوليد الحب ذا مرة ثانية مع مدير شركة الأزياء بارك جيمين؟ لو اي كيف، و لو لا ليش؟
-تذكروا وجود جُونغكُوك المُحاضِر-

أتوقع حرقت كفاية للي فكّروا بالأسئلة و ربطوا الأمور، و بالنّسبة للأسماء عارفة من البداية كونها ثغرة لكن ما حبّيت أغير أسمائهم ما بين الماضي و المستقبل بعوالم أخرى.. حبّيت يبقوا جُونغكُوك لجِيمِين، و جيمين لجُونغكوك

التشابتر القادم انتقال الحاكم للعالم الموازي، و كُونوا بخير حتى عودة أخرى ♥


You are reading the story above: TeenFic.Net